للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد جعلت في الحديث من محصلات الأعمال، فلو جعلت من جملة الأعمال، لكانت محصلة لنفسها، ومحصلة، وهذا ظاهر لا يلتبس على من له فهم.

فعرفت بهذا بطلان ما قاله المخصصون للمستقر من حديث النفس بالمؤاخذة، وأنه ليس في أيديهم أثارة من علم، بل مجرد رأى بحت لا وجه له، ولا دليل عليه، ولا ملجئ إليه، ولا مسوغ له.

ثم يقال لهذا القائل: ماذا تريد بكون الخواطر المستقرة من حديث النفس مخالفة لغير ما هو مستقر منها، وزائدة عليها؟ [٣أ] فإنه إن قال: إن كونها زائدة على الهم يقتضي المؤاخذة بها!.

فكلامه باطل؛ فإن الصادق المصدوق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد حكى لنا عن ربه: أنه لا يؤاخذ إلا إذا عملها.

ولا شك ولا ريب أن القصد (١)، والعزم، وعقد القلب، والنية -لو فرضنا- أنها أمور زائدة على مجرد الهم لم تكن بها مؤاخذة، لأنها ليست بعمل.

والمؤاخذة إنما هي العمل، ولا يخالف في ذلك مخالف من أهل اللسان، ولا من أهل الشرع.

وإن قال: إن كونها زائدة لا يقتضي المؤاخذة بها، ولكنها تتميز عن الهم بكونها زائدة عليه!

فيقال له: لا فائدة في هذا أصلًا، فإنها إذا كانت مغفورة لا يؤاخذ الله العبد بها، فذلك هو المطلوب، والتفرقة ضائعة باعتبار ما نحن بصدده، وقد دلت الأحاديث أن المؤاخذة (٢) ليست إلا بالعمل كما دلت الأحاديث المصرحة بأن الله غفر لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها، وبأن المؤاخذة ليست إلا بالعمل أو التكلم.


(١) تقدم ذكر ذلك.
(٢) انظر: "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (١/ ٤٢٥).