للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمؤاخذة لهم بما صرحت الشريعة المطهرة بأنه عفو.

وقال بعض هؤلاء العالمين بالفرق بين ما استقر من حديث النفس وما لم يستقر بأنه يمكن إدخال الحديث المستقر تحت قوله: "ما لم تعمل"! وما أبعد هذا! وأن العمل والتكلم هما قسيم حديث النفس ومقابلاه، كما في حديث: "الهم بالسيئة" وهما أيضًا الغاية التي ينتهي عندها التجاوز! وكل عربي أو فاهم للغة العرب يفهم من هذا التركيب المذكور في الحديث، وهو أنه لو قال قائل: قد تجاوزت عن كل من حدث نفسه بشتمي ما لم يتكلم بالشتم أو يعمل عملًا يدل عليه.

فإن كل من يفهم لغة العرب يفهم أن كل ما لم يتكلم به من الشتم ولا عمل عملًا يدل عليه، داخل تحت عموم ذلك التجاوز دخولًا ظاهرًا وواضحًا. فإن قال قائل: إذا حدث نفسه حديثًا كثيرًا بالشتم، ولم يتكلم به ولا عمل عملًا يدل عليه فقد صار ذلك من جملة العمل الذي يدل على الشتم! فإن بطلان هذا ما يفهمه الصبيان.

وهكذا لو قال قائل: من هم بشتمي ولم يشتمني لم أؤاخذه، فإن شتمني وأخذته فإن كل من يفهم لغة العرب يعلم أن المؤاخذة ليست إلا على الشتم الصراح الذي تسمعه الآذان أو تراه الأعين، وأن كل ما لم يبرز إلى الخارج منه عفو مغفور، غير مؤاخذ به.

فإن قال قائل: إنه إذا استقر ذلك الهم في نفسه كان بمنزلة الشتم الصراح باللسان! كان بطلان هذا الكلام مما يفهمه الصبيان. ومما يزيدك بصيرة، ويطلعك على بطلان هذا الاستدلال، أن جعل حديث النفس أو الهم من العمل سيلزم منه الدور أو التسلسل في مثل قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنما الأعمال بالنيات» (١) فإن النية: هي القصد، وعقد القلب.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (١) ومسلم رقم (١٩٠٧).
وأبو داود رقم (٢٢٠١) والترمذي رقم (١٦٤٧) وأحمد (١/ ٣٠٢ رقم ٣٠٠ - شاكر) وله ألفاظ.
وهو حديث صحيح.
وسيأتي تخريج الحديث بطرقه في رسالة خاصة ضمن هذا المجلد رقم (٥٤).