للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذلك كقوله سبحانه: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} (١) الآية.

فإنها تدل على المؤاخذة بمجرد الإرادة في الحرم أو في البيت الحرام لشيء من المعاني التي تصدق عليها أنها ظلم للنفس أو ظلم للغير إذا كانت تلك الإرادة متعلقة بما هو إلحادٌ من ذلك.

فهذه الآية لو حملناها على ظاهرها (٢)، ولم نتأولها بوجه من وجوه التأويل، لورودها مخالفة للأدلة القطعية الدالة على عدم المؤاخذة بما تخفيه القلوب، وتضمره السرائر حتى يعمل أو يتكلم به. لكان الواجب على قصرها على المورد الذي وردت فيه، وتخصيصها بالمكان الذي خصها به الدليل، فيقال: إن المؤاخذة. بمجرد الإرادة لما هو إلحاد بظلم خاص بالحرم أو البيت الحرام، فتقصر على محلها، وموردها، ومكانها، وليس فيها ما يقتضي كل الأحوال، أو الأزمنة، أو الأمكنة.

فإن قلت: فهل نجعل من هذا القبيل الوارد مخالفًا لتلك الأدلة العامة ما ثبت في "الصحيح" من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار. قيل: يا رسول الله! هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصًا على قتل .............................


(١) [الحج: ٢٥]. وتمام الآية: {نذقه من عذاب أليم}.
(٢) قال الحافظ في "الفتح" (١١/ ٣٢٨): " ... ويؤيد ذلك أن الحرم يجب اعتقاد تعظيمه، فمن هم بالمعصية فيه خالف الواجب بانتهاك حرمته، وتعقب هذا البحث بأن تعظيم الله آكد من تعظيم الحرم ومع ذلك فمن هم بمعصية لا يؤاخذه، فكيف يؤاخذ بما دونه؟ ويمكن أن يجاب عن هذا بأن انتهاك حرمة الحرم بالمعصية تستلزم انتهاك حرمة الله لأن تعظيم الحرم من تعظيم الله فصارت المعصية في الحرم أشد من المعصية في غيره، وإن اشترك الجميع في ترك تعظيم الله تعالى، نعم من هم بالمعصية قاصدًا الاستخفاف بالحرم عصى، ومن هم بمعصية الله قاصدًا الاستخفاف بالله كفر، وإنما المعفو عنه من هم بالمعصية ذاهلاً عن قصد الاستخفاف.
وانظر "زاد المعاد" (٥/ ١٨٤ - ١٨٥).