للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صاحبه» (١)؟.

قلت: لا أجعله من هذا القبيل؛ لأن هذا المقتول لم يكن منه مجرد الحرص فقط، بل قد فعل في الخارج فعلًا هو عمل ظاهر، وهو أخذه لسيفه وملاقاته لصاحبه قاصدًا لقتله عازما على سفك دمه، فهو داخل تحت قوله: "ما لم يعمل أو يتكلم" وهذا قد عمل، وداخل تحت قوله: «ومن هم بالسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها». وهذا قد أردف القصد بالعمل.

وعلى تسليم أن هذا العمل الذي عمله، وهو حمله للسيف وملاقاته لصاحبه ليقتله لا يكون عملًا؛ لأنه لم يعمل العمل المقصود، وهو القتل ولا سيما بعد قوله فيه: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جعل السبب الموجب للنار هو مجرد الحرص فقط، فيكون هذا الحديث مما خصصت به تلك العمومات، ولا معارضة بين عام وخاص، بل الواجب بناء العام على الخاص بالاتفاق (٢).

والوجه ظاهر في تخصيص الحرص على قتل المسلم بالمؤاخذة به، وإخراجه من تلك


(١) أخرجه البخاري في صحيحه (٣١ و٦٨٧٥ و٧٠٨٣) ومسلم رقم (٢٨٨٨) وأبو داود رقم (٤٣٦٨) والنسائي (٧/ ١٢٤ رقم ٤١١٨) من حديث أبي بكرة.
(٢) قال الحافظ في "الفتح" (١١/ ٣٢٧): ... وتعقبه عياض بأن عامة السلف وأهل العلم على ما قال ابن الباقلاني لاتفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب لكنهم قالوا: إن العزم على السيئة يكتب سيئة مجردة لا السيئة التي هم أن يعملها كما يأمر بتحصيل معصية ثم لا يفعلها بعد حصولها فإنه يأثم بالأمر المذكور، لا بالمعصية ومما يدل على ذلك حديث "إذا التقى المسلمان " قال: والذي يظهر أنه من هذا الجنس وهو أنه يعاقب على عزمه بمقدار ما يستحقه ولا يعاقب عقاب من باشر القتل حسًا.
وقال الحافظ في "الفتح" (١٣/ ٣٤): واستدل بقوله "إنه كان حريصًا على قتل صاحبه" من ذهب إلى المؤاخذة بالعزم وإن لم يقع الفعل وأجاب من لم يقل بذلك أن في هذا فعلاً وهو المواجهة بالسلاح ووقوع القتال، ولا يلزم من كون القاتل والمقتول في النار أن يكون في مرتبة واحدة، فالقاتل يعذب على القتال والقتل، والمقتول يعذب على القتال فقط، فلم يقع التعذيب على العزم المجرد.