للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العمومات لما في إراقة دم المسلم من عظم الذنب الذي لا يماثله فيه غيره من الذنوب التي يرتكبها المسلمون بعد الإسلام مما ليس بشرك.

ولأجل هذا اختلف السلف في قبول توبة القاتل [٤أ] اختلافًا طويلًا (١) على ما هو


(١) قال ابن كثير في تفسيره (١/ ٥٣٦) قوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا} [النساء: ٩٣]، وقد كان ابن عباس يرى أنه لا توبة لقاتل المؤمن عمدًا، وقال الإمام البخاري: حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا المغيرة بن النعمان قال: سمعت ابن جبير قال: اختلف فيها أهل الكوفة فرحلت إلى ابن عباس فسألته عنها، فقال: نزلت هذه الآية: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم} هي آخر ما نزل وما نسخها شيء. رواه البخاري رقم (٤٥٩٠) ومسلم رقم (١٨/ ١٦٠) كلاهما من طريق سعيد بن جبير.
وقال ابن جرير في تفسيره (٥/ ٢١٩) عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس عن قوله: {ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم} قال: إن الرجل إذا عرف الإسلام وشرائع الإسلام، ثم قتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم ولا توبة له، فذكرت ذلك لمجاهد فقال: إلا من ندم.
والذي عليه الجمهور من سلف الأمة وخلفها أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله -عز وجل- فإن تاب وأناب وخشع وخضع وعمل عملاً صالحًا يبدل الله سيئاته حسنات، وعوض المقتول من ظلامته وأرضاه عن ظلامته، قال تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلهًا} إلى قوله تعالى {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا} [الفرقان: ٧٠].
وقال تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} [الزمر:٥٣]. وهذا عام في جميع الذنوب من كفر وشرك وشك ونفاق وقتل وفسق وغير ذلك كل من تاب تاب الله عليه.
قال الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فهذه الآية عامة في جميع الذنوب ما عدا الشرك، وثبت في الصحيحين -أخرجه البخاري رقم (٣٤٧٠) ومسلم في صحيحة رقم (٢٧٨٦) عن أبي سعيد الخدري -خبر الإسرائيلي الذي قتل مائة نفس ثم سأل عالمًا: هل له من توبة؟ فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة، ثم أرشده إلى بلد يعبد الله فيها فهاجر إليها فمات في الطريق فقبضته ملائكة الرحمة.