للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأخطره على قلبه.

ولهذا قال قائل الصحابة: لأن يسقط من عند الثريا أحب إليه من أن يتكلم بما وسوس به إليه الشيطان، كما في حديث عائشة، فقال رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في جواب ذلك:» ذاك محض الإيمان «(١).

وقال قائلهم: إني أحدث نفسي بالشيء، لو تكلمت به: لأحبطت أجري (٢): كما في الحديث الآخر.

وكما قال معاذ: قلت: يا رسول الله! إنه ليعرض في نفسي الشيء؛ لأن أكون حممة أحب إلي من أن أتكلم به.

فالمؤمن إذا بلغ من تحفظه إلى هذا الحد، حتى يكون سقوطه من الثريا إلى الثرى، أخف عنده من التكلم به، وصار احتراقه بالنار التي يكون حممة أيسر عنده من ذلك، فلا رتبة أعلى من هذه الرتبة من الإيمان، ولا صلابة في الدين أقوى من هذه الصلابة؛ فيستحق إيمان من كان كذلك أن يكون "محض الإيمان" و"صريح الإيمان".

ويؤيد ما ذكرناه أولاً ما تقدم في حديث (٣) ابن عباس: أن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لما سئل عن الوسوسة؟ قال: «الحمد لله، إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضي هذه، ولكن قد رضي منكم بالمحقرات».

فإن هذا يدل على أن مجرد عدم تأثير الشيطان في المؤمنين بشيء من الإغواء والتسويل، إلا مجرد الوسوسة التي خاطر من خواطر القلب المغفورة، من النعم التي أنعم الله بها على عباده.

ولهذا حمد الله النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- على ذلك؛ فإن الشيطان الرجيم هو القائل: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} (٤)


(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) [ص: ٨٢ - ٨٣].