فإذا لم يكن له سبيل على المؤمنين، إلا بأن يوسوس لهم وسوسة لا وجود لسمع من معناها في الخارج، ولا تبرز في قول، ولا فعل، فذلك من أعظم النعم التي ينبغي شكر الله عليها، ومن أعظم الأدلة الدالة على قوة إيمان العبد، وصلابته في الدين؛ فإنه قد نجا بإيمانه الذي تفضل الله به عليه من جميع مكائد الشيطان، وسلم من كل نزغاته، التي توجب الإثم، ويطلق عليها اسم الذنب، ولم يقدر على شيء منه، إلا مجرد الوسوسة المغفورة، المعفو عن صاحبها.
ومثل هذا قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في الحديث السابق لما سمع قول القائل: إني أحدث نفسي بالشيء، لو تكلمت به لأحبطت عملي. فقال:- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة».
فإن هذا الحديث يدل أبلغ دلالة على أن الشيطان لا يقدر على المؤمن إلا مجرد الوسوسة، وذلك من النعم العظيمة؛ لأن كيد اللعين كيد عظيم وتسلطه على بني آدم تسلط شديد، فإذا رد الله كيده إلى محض الوسوسة، فقد سلم المؤمن منه، ونجا. ولا يكون من هذا القبيل، إلا خلص المؤمنين، فمن بلغ إلى هذه الرتبة العلية، وهي أنه قد سلم من كيد الشيطان العظيم، ورد اله كيد اللعين إلى الوسوسة؛ فذاك "صريح الإيمان" و"محض الإيمان".
فقد اتضح لك بهذا ما يرفع عنك الإشكال، ويدفع الاضطراب. وقد كررنا في هذا الجواب بعض التكرير؛ بقصد الإيضاح؛ لأن المقام من أعظم المقامات التي تشكل على أهل العلم، ويسألون عنها.
ولا أظن أنه بقي في صدر من تأمل ما حررناه هاهنا خرج، ولله الحمد.
وإذا عرفت هذا، فاعلم أن الواقع من عمر -رضي الله عنه- في الحديبية، ليس إلا مجرد استشكال وقوع الصلح على تلك الكيفية، وقال: لم نعط الدنية في ديننا مع كوننا على الحق، وعدونا على ......................................