أقول: قد تقدم في العام الأول من السائل -كثر الله فوائده- سؤال في أحكام السلس، وما يتعلق بها، ويتفرع عليها.
وأجبنا على ذلك جوابا، ربما يستفاد منه جواب هذا، فليراجعه إن شاء.
ولا شك أن مجرد التبكير إلى صلاة الجمعة فضيلة، وسنة حافظ عليها السلف، وأرشد إليها رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حتى فضل أجر المبكرين وثوابهم على حسب اختلافهم في التبكير، فقال: فيما ثبت عنه في "الصحيح"(١)» من اغتسل يوم الجمعة، ثم راح في الساعة الأولى، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة، فكأنما قرب بيضة؛ فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر».
فهذا المبتلى بعلة السلس؛ إذا كانت العلة مطبقة مستمرة، لا يمكن تأدية الفرض إلا مع خروج شيء من ذلك، كان حكمه حكم الصحيح الذي لا علة معه في طهارته، وثيابه، وبدنه، وصلاته في أول الوقت.
وذلك الخارج عفو لا يبطل به وضوءه، ولا يتنجس به ثوبه الذي سيصلي فيه تلك الفريضة، ولا بدنه، ولا غير ذلك.
وقد أوضحنا هذا في الجواب الذي حررناه العام الأول على السائل -كثر الله فوائده- وأما هذه المسألة التي وقع السؤال عنها؛ فإن كان يثق من نفسه أنه إذا ترك التبكير وحضر مع حضور الإمام، لم يخرج شيء من الخارج، فترك التبكير أولى له.
(١) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٨٨١) ومسلم رقم (٨٥٠) وأبو داود رقم (٣٥١) والنسائي (٣/ ٩٩ رقم ١٣٨٨) والترمذي رقم (٤٩٩) وابن ماجه في "السنن" رقم (١٠٩٢) وابن حبان في صحيحه رقم (٢٧٦٤) وأحمد رقم (٢/ ٤٦٠) والبغوي في "شرح السنة" (٤/ ٢٣٤ رقم ١٠٦٣) ومالك في "الموطأ" (١/ ١٠١) والبيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٢٩٧). كلهم من حديث أبي هريرة. وهو حديث صحيح.