للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانظر كيف كان الأمر المهم عند بعث هذا الصحابي للقضاء؟ هو السؤال له للإرشاد لا للاسترشاد عن مستند ما يحكم به لا عن غيره، وهكذا كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يأمر من يبعثه من القضاة والولاة، وكذلك كان يرشد إلى ذلك معظم الخلفاء الراشدون (١) من يبعثونه، ثم انظر قول هذا الصحابي العظيم: أجتهد رأيي، فإن المراد بلا


(١) ومن أحسن ما يعرفه القضاة كتاب عمر رضي الله عنه الذي كتبه إلى أبي موسى الذي رواه الدارقطني (٤/ ٢٠٦، ٢٠٧ رقم ١٥)، وفي إسناده عبيد الله بن أبي حميد، وهو ضعيف.
والبيهقي في " السنن الكبرى " (١٠/ ١١٥)، وقال ابن القيم في " إعلام الموقعين " (١/ ٨٦) بعد أن أورده: وهذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه، ولفظه: أما بعد، فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فعليك بالفعل والفهم وكثرة الذكر، فافهم إذا أدلى إليك الرجل الحجة، فاقض إذا فهمت، وامض إذا قضيت، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آس بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك؛ حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حراما أو حرم حلالا، ومن ادعى حقًا غائبًا أو بينة فاضرب له أمرًا ينتهي إليه، فإن جاء ببينته أعطيته حقه، وإلا استحللت عليه القضية، فإن ذلك أبلغ في العذر وأجلى للعمى.
ولا يمنعك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم اعرف الأشباه والأمثال، وقس الأمور عند ذلك، واعمد إلى أقربها إلى الله تعالى وأشبهها بالحق.
المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودًا في حد، أو مجربًا عليه شهادة زور، أو ظنينًا في ولاء أو نسب أو قرابة، فإن الله تعالى تولى منكم السرائر، وادرأ بالبينات والأيمان، وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس عند الخصومة، والتفكر عند الخصومات، فإن القضاء عند مواطن الحق يوجب الله تعالى به الأجر ويحسن به الذكر، فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله تعالى ما بينه وبين الناس، ومن تخلق للناس بما ليس في قلبه شانه الله تعالى، فإن الله تعالى لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصًا، فما ظنك بثواب من الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته، والسلام " اهـ.