للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعلم جواز الحكم بالشاهد الواحد واليمين أو عدم جوازه، لكان سعيه ضائعًا وبحثه ذاهبًا، واجتهاده في ذلك لا يعود عليه بفائدة؛ لأنه اشتغل بالنظر [٢ أ] في شيء تفرع عن أصل، وهو لا يدري بالأصل.

فانظر أصلحك الله ما هو الأمر الذي ينبغي أن يحمل عليه قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: " إذا اجتهد الحاكم " (١)، وعلى كل حال فالمقام مقام البحث عن حكم الله سبحانه في الحادثة، والحاكم المذكور في الحديث هو الحاكم المأمور بأن يحكم بما شرعه الله لعباده فيها، فأي معنى لحمل اجتهاده على البحث عن أمور لا تعلق لها بالحكم إلا من جهة كونها راجعة إليه، ومتفرعة عنه.

ثم انظر ما وقع في حديث معاذ لما بعثه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قاضيًا، فإنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال له: " بم تحكم؟ قال: بكتاب الله سبحانه، قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قال: فإن لم تجد؟ فقال: أجتهد رأيي " (٢).


(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه أبو داود (٩/ ٥٠٩ مع العون)، والترمذي (٤/ ٥٥٦ - مع التحفة)، والدارمي (١/ ٦٠)، وأحمد في " المسند " (٥/ ٢٣٠، ٢٤٢)، والبيهقي (١٠/ ١١٤)، والطيالسي (١/ ٢٨٦ - منحة المعبود)، وابن سعد في الطبقات (٢/ ٣٤٧ - ٣٤٨)، وابن عبد البر في " الجامع " (٢/ ٥٥ - ٥٦)، وابن حزم في " الإحكام " (٦/ ٢٦)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (١/ ١٥٤ - ١٥٥، ١٨٨ - ١٨٩) من طرق عن شعبة عن أبي العون عن الحارث بن عمرو - أخي المغيرة بن شعبة - عن أصحاب معاذ بن جبل.
قال الإمام البخاري في " التاريخ الكبير " (٢/ ٢٧٧): " الحارث بن عمرو عن أصحاب معاذ روى عنه أبو العون، ولا يصح، ولا يعرف إلا بهذا، مرسل " اهـ.
وقال الترمذي: " هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وليس إسناده عندي بمتصل " اهـ.
قلت: وأخرجه الحافظ العراقي في " تخريج أحاديث مختصر المنهاج في الإحكام " (٦/ ٣٥): " وأما خبر معاذ فإنه لا يحل الاحتجاج به لسقوطه، وذلك أنه لم يرو قط إلا من طريق الحارث بن عمرو، وهو مجهول لا يدري أحد من هو " اهـ.
وقال ابن الجوزي في " العلل المتناهية ": (٢/ ٧٥٨ رقم ١٢٦٤): " هذا حديث لا يصح وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ويعتمدون عليه، ولعمري إن كان معناه صحيحًا إنما ثبوته لا يعرف لأن الحارث بن عمرو مجهول، وأصحاب معاذ من أهل حمص لا يعرفونه، وما هذا طريقه فلا وجه لثبوته ".
قلت: والحديث أعل بعلل ثلاث:
١ - ): الإرسال. ٢): جهالة أصحاب معاذ. ٣) جهالة الحارث بن عمرو.
وأما قول الجوزي: " إن كان معناه صحيحًا " فأوضحه الألباني في " الضعيفة " (٢/ ٢٨٦) فقال: " هو صحيح المعنى فيما يتعلق بالاجتهاد عند فقدان النص، وهذا مما لا خلاف فيه، ولكنه ليس صحيح المعنى عندي فيما يتعلق بتصنيف السنة مع القرآن، وإنزاله إياه معه منزلة الاجتهاد منهما، فكما أنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص في الكتاب والسنة، فكذلك لا يأخذ بالسنة إلا إذا لم يجد في الكتاب، وهذا التفريق بينهما مما لا يقول به مسلم، بل الواجب النظر في الكتاب والسنة معًا وعدم التفريق بينهما، وقد ذكر الشيخ حمدي بن عبد المجيد السلفي في تحقيق كتاب " المعتبر " للزركشي (ص ٦٨) العلماء الذين ضعفوا هذا الحديث وهم:
١ - ) البخاري. ٢)
الترمذي. ٣)
العقيلي. ٤)
الدارقطني. ٥)
ابن حزم. ٦)
ابن طاهر المقدسي. ٧)
الجوزقاني. ٨)
ابن الجوزي. ٩)
الذهبي. ١٠)
السبكي. ١١)
العراقي. ١٢)
ابن الملقن. ١٣)
ابن حجر.
قلت: وضعفه المحدث الألباني في " الضعيفة " (٢/ ٢٧٣ رقم ٨٨١).