للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يعلم أن حكم الله في تلك الخصومة كذا، وأنه لا يصلح مستندا للحكم إلا بشرط كذا، كان إجهاد نفسه في البحث عن حال الشهود أو الخصومة مع جهله لحكم الله سبحانه في تلك الحادثة ضائعًا لا يستحق المصيب فيها أجرين، ولا المخطئ أجرًا، بل هذا القاضي هو أحد قضاة النار كما ورد بذلك الدليل الصحيح (١)؛ لأنه لا يخلو عن أحد أمرين: إما الحكم بالحق وهو لا يعلم بأنه الحق، أو الحكم بالباطل وهو يعلم بخلافه، فكان من قضاء النار في كلا حالتيه.

فإن قلت: أريد إيضاح الكلام في المقام بما يحصل به الانفهام، قلت: افرض هذه الحادثة في رجل ادعى على آخر مالا، ثم جاء بشاهد، وأعوزه أن يأتي بشاهد آخر، وطلب من الحاكم أن يحلفه حتى يقوم يمينه مقام الشاهد الآخر، فهاهنا يجب على الحاكم أن يقدم البحث، ويجهد نفسه في الفحص عن حكم الله سبحانه في الحادثة، حتى يعلم قيام الحجة التي تصلح مستندا للحكم بالشاهد الواحد واليمين (٢)، وذلك هو يحق له البحث وإجهاد النفس بإمعان النظر فيه، وإشباع الفحص عنه والبحث عما عداه من عدالة الشاهد وحال الخصمين، فهو شيء تفرع عن كون ذلك المستند صالحًا للحكم به، فلو ذهب يجهد نفسه في البحث عن حال الشاهد، أو نحو ذلك قبل أن


(١) يشير إلى الحديث الذي أخرجه ابن ماجه رقم (٢٣١٥)، وأبو داود رقم (٣٥٧٣)، والنسائي في " السنن الكبرى " (٣/ ٤٦١ رقم ٥٩٢٢/ ١)، والترمذي رقم (١٣٢٢)، والحاكم في " المستدرك " (٤/ ٩٠) عن بريدة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به، ورجل عرف الحق وجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار "، وهو حديث صحيح.
(٢) أخرج مسلم في صحيحه رقم (٣/ ١٧١٢) عن ابن عباس: " أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى بيمين وشاهد "، وأخرج أحمد (٣/ ٣٠٥)، وابن ماجه رقم (٢٣٦٩)، والترمذي رقم (١٣٤٤)، والبيهقي (١٠/ ١٧٠) من حديث جابر: " أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضى باليمين مع الشاهد "، وهو حديث صحيح.