للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: لا نعلم لهم مخالفًا في الصحابة إخبار عن علمه، وإلا فقد حكى الخطابي في معالم (١) السنن عن عبد الله بن عمر أنه رخص في الصلاة في المقبرة. وحكي أيضًا عن الحسن أنه صلى في المقبرة. وقد ذهب إلى تحريم الصلاة على القبر من أهل البيت - عليهم السلام - المنصور بالله، والهادوية (٢). وصرحوا بعدم صحتها إن وقعت فيها، وإن وقعت بينها فمكروهة فقط. وذهب الشافعي (٣) إلى الفرق بين المقبرة المنبوشة وغيرها فقال: إذا كانت مختلطة بلحم الموتى وصديدهم، وما يخرج منهم لم تجز الصلاة فيها للنجاسة (٤)؛


(١) (١/ ٣٣٠).
(٢) في "البحر الزخار" (١/ ٢١٦ - ٢١٧).
(٣) في "الأم" (٢/ ٩٥ - ٩٦).
(٤) قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (١/ ٢٧٤): أن النهي عن الصلاة في المقبرة لأجل النجاسة قول باطل من عدة أوجه:
١ - أن الأحاديث كلها ليس فيها فرق بين المقبرة الحديثة والمنبوشة كما يقول المعللون بالنجاسة.
٢ - أنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعن اليهود والنصارى على اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد، ومعلوم قطعًا أن هذا ليس لأجل النجاسة. فإن ذلك لا يختص بقبور الأنبياء؛ ولأن قبور الأنبياء من أطهر البقاع، وليس للنجاسة عليها طريق البتة، فإن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، فهم في قبورهم طريون.
٣ - أنه نهى عن الصلاة إليها.
٤ - أنه أخبر أن الأرض كلها مسجد، إلا المقبرة والحمام، ولو كان ذلك لأجل النجاسة لكان ذكر الحشوش والمجازر ونحوها أولى من ذكر القبور.
٥ - أن موضع مسجده - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مقبرة للمشركين، فنبش قبورهم وسواها واتخذه مسجدًا، ولم ينقل ذلك التراب بل سوى الأرض ومهدها وصلى فيه كما ثبت في الصحيحين عن أنس بن مالك - أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٤٢٨) ومسلم رقم (٥٢٤) -.
٦ - أنه لعن المتخذين عليها المساجد، ولو كان ذلك لأجل النجاسة لأمكن أن يتخذ عليها المساجد مع تطينها بطين طاهر. فتزول اللعنة وهو باطل قطعًا.
٧ - أنه قرن في اللعن بين متخذي المساجد عليها وموقدي السرج عليها فهما في اللعنة قرينان، وفي ارتكاب الكبيرة صنوان. فإن كل ما لعن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهو من الكبائر، ومعلوم أن إيقاد السرج عليها إنما لعن فاعله لكونه وسيلة إلى تعظيمها، وجعلها نصبًا يوفض إليه المشركون، كما هو الواقع، فهكذا اتخاذ المساجد عليه. ولهذا قرن بينهما، فإن اتخاذ المساجد عليها تعظيم لها، وتعريض للفتنة بها.
ثم قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" (١/ ٢٧٥): فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه، وفهم عن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مقاصده جزم جزما لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة منه باللعن والنهي بصيغتيه: صيغة "لا تفعلوا" وصيغة "إني أنهاكم" ليس لأجل النجاسة بل هو لأجل نجاسة الشرك اللاحقة بمن عصاه، وارتكب ما عنه نهاه، واتبع هواه، ولم يخش ربه ومولاه".
وقال الأشرم: إنما كرهت الصلاة في المقبرة للتشبه بأهل الكتاب؛ لأنهم يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد.
"إغاثة اللهفان" (١/ ٢٧٦).