للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخامس عشر والسادس عشر قوله: {مالك يوم الدين}، فإن لفظ مالك، ومعناه الإفرادي من غير نظر إلى معناه الإضافي يفيد استحقاقه بإخلاص توحيده، ثم في معناه الإضافي إلى يوم الدين معنى ثان، فإن من كان له الملك [١٤] في مثل هذا اليوم الذي هو يوم الجزاء لكل العباد، وفيه يجتمع العالم أولهم وآخرهم، سابقهم ولاحقهم، جنهم وإنسهم وملائكتهم، فيه إشارة إلى استحقاقه إخلاص توحيده.

السابع عشر: ما يُستفاد من نفس لفظ (الدين) من غير نظر إلى كونه مضافًا إليه.

الثامن عشر: ما يستفاد من تعريفه، فإن في ذلك زيادة إحاطة وشمول فإن ذلك الملك إذا كان في يوم هو يوم الدين الذي يشتمل على كل دين كان من له هذا الملك حقيقا بأن يخلص العباد توحيده، ويفردوه بالعبادة كما تفرد بملك يوم له هذا الشأن.

فإن قلت: هذان المعنيان الكائنان في لفظ الدين باعتبار أصله وباعتبار تعريفه قد أخذا في المعنى الإضافي حسبما ذكرته سابقا. قلت: لا تزاحم بين المقتضيات، ولا يستنكر النظر إلى الشيء باعتبار معناه الإفرادي تارة، وباعتبار معناه الإضافي أخرى، وليس ذلك بممنوع ولا بمحجور عند من يعرف العلم الذي يستفاد منه دقائق العربية وأسرارها وهو علم المعاني والبيان.

التاسع عشر والموفي عشرين والحادي والعشرين: قوله {إياك نعبد} (١)، فإن تقديم الضمير معمولا للفعل الذي بعده يفيد اختصاص العبادة به، ومن اختص بالعبادة


(١) قال ابن القيم في " مدارج السالكين " (١/ ١٠٢): أما تقديم المعبود والمستعان على الفعلين، ففيه أدبهم مع الله بتقديم اسمه على فعلهم، وفيه الاهتمام وشدة العناية به، وفيه الإيذان بالاختصاص، المسمى بالحصر فهو في قوة: لا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك.
وفي ضمير "إياك" من الإشارة إلى نفس الذات، والحقيقة ما ليس في الضمير المتصل، ففي إياك قصدت وأحببت من الدلالة، على معنى: حقيقتك وذاتك قصدي، ما ليس في قولك: قصدتك وأحببتك.
وانظر: روح المعاني للألوسي (١/ ٨٧).