للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عروض (١) الذهول للفاعلين، والغفلة والدخول في فكر ما مشوشة للذهن معلوم بالوجه أن يخبره كل عاقل من نفسه، ويعرفه من غيره، ومن كان كذلك قد يصدر منه أفعال وهو ذاهل عنها، غافل عما يريده منها، وهذا يكفي في دفع دعوى التلازم العقلي، ويدفع أيضًا دعوى الضرورة، ثم يقول السائل - كثر الله فوائده -: ما ذكرت من ملازمة القصد لكل فعل، وإن ذلك ضروري ما تريد؟ هل من الأفعال على العموم أم الأفعال الشرعية؟ إن أردت الأفعال على العموم فغير مسلم، لأن منها الأفعال الشرعية، ولا بد من قصدها، ولا ملازمة هنا لذلك، ولا ضرورة أبدًا معلوم لكل عاقل أنه لا بد من النيات إليها، واستحضار لها بجواز أن يكون الفعل الذي أوقعه غير شرعي، وإن أردت الأفعال التي ليست شرعية فتسليم دليله لا يفيد، لأنه خارج عن محل النزاع على أن في الأفعال التي ليست شرعية ما لا يقصد كالأفعال الجبلية، وأفعال الذاهل والساهي، وإن أردت الشرعية فحسب [١ ب]، فالأمر أوضح من ذاك، لأنه لا يقول أحد بالتلازم ما بين الفعل الشرعي وبين قصده شرعًا، لأن كونه شرعيًا أمر زائد على مجرد الفعل، بل هو وصف له فلا بد من قصد له من حيث كونه فعلا شرعيًا (٢)، لا من حيث كونه فعلاً


(١) قال الحافظ في "الفتح" (١/ ١٨) واستدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز الإقدام على العمل قبل معرفة الحكم، لأنه فيه أن العمل يكون منتفيًا إذا خلا عن النية، ولا يصح نية فعل الشيء إلا بعد معرفة حكمه، وعلى أن الغافل لا تكليف عليه، لأن القصد يستلزم العلم بالمقصود والغافل غير قاصد.
(٢) قال الحافظ في "الفتح" (١/ ١٣): "والنية في الحديث محمولة على المعنى اللغوي ليحسن تطبيقه على ما بعده وتقسيمه أحوال المهاجر فإنه تفصيل لما أجمل، والحديث متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية، إذا التقدير: لا عمل إلا بالنية فليس المراد نفي ذات العمل لأنه قد يوجد بغير نية، بل المراد نفي أحكامها كالصحة والكمال، لكن الحمل على نفي الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشيء نفسه، ولأن اللفظ دل على نفي الذات بالتصريح وعلى نفي الصفات بالتبع، فلما منع الدليل نفي الذات بقيت دلالته على نفي الصفات مستمرة، وقال شيخ الإسلام: الأحسن تقدير أن الأعمال تتبع النية لقوله في الحديث: "فمن كانت هجرته".