قال الحافظ في "الفتح" (١/ ١٦): قيل: الأصل تغاير الشرط والجزاء فلا يقال مثلا من أطاع أطاع وإنما يقال مثلا من أطاع نجا، وقد وقعا في هذا الحديث متحدين - فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرتهه - فالجواب أن التغاير يقع تارة باللفظ وهو الأكثر، وتارة بالمعنى ويفهم ذلك من السياق، ومن أمثلة قوله تعالى: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا}. [الفرقان: ٧١]، وهو مؤول على إرادة المعهود المستقر في النفس كقولهم أنت أنت أي الصديق، أو هو مؤول على إقامة السبب مقام المسبب لاشتهار السبب، وقال بعض أهل العلم إن الشرط محذوف وتقديره: من كانت هجرته إلى الله ورسوله نية وقصدًا فهجرته إلى الله حكمًا وشرعًا. وقيل: إذا اتحد لفظ المبتدأ والخبر والشرط والجزاء علم منهما المبالغة إما في التعظيم، وإما في التحقير. (٢) لما ذكر - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -أن الأعمال بالنيات وأن حظ العامل من عمله بنيته من خير أو شر وهاتان كلمتان جامعتان وقاعدتان كليتان لا يخرج عنهما شيء "ذكر بعد ذلك مثلا من الأمثال والأعمال التي صورتهما واحدة ويختلف صلاحها وفسادها باختلاف النيات وكأنه يقول سائر الأعمال على حذو هذا المثال. ولهذا المعنى اقتصر في جواب هذا الشرط على إعادته بلفظه لأن حصول ما نواه بهجرته نهاية المطلوب في الدنيا والآخرة، ومن كانت هجرته من دار الشرك إلى دار الإسلام ليطلب دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها في دار الإسلام فهجرته إلى ما هاجر إليه من ذلك. فالأول تاجر والثاني خاطب، وليس واحد منهما بمهاجر شرعًا، وفي قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلى ما هاجر إليه تحقير لما طلبه من أمر الدنيا واستهانة به حيث لم يذكره باسمه الظاهر الصريح. وأيضًا لما كانت الهجرة إلى الله ورسوله واحدة لا تعدد فيها اتحد الجواب فيها بلفظ الشرط - فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته ... ". ولما كانت الهجرة من الأمور الدنيا لا تنحصر فقد يهاجر الإنسان لطلب دنيا مباحة تارة، ومحرمة تارة، وإفراد ما يقصد بالهجرة من أمور الدنيا لا تنحصر لذلك قال: فهجرته إلى ما هاجر إليه يعني كائنًا ما كان. انظر: "فتح الباري" (١/ ١٤).