وكون النية أساس العمل وقاعدته هو ما دل عليه الكتاب والسنة فأما الكتاب فقول الله جل وعلا: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥]. فحصر أمر المكلفين كله في عبادته وجعل شرط ذلك الإخلاص، ولا يميز العمل الخالص من غيره إلا النية، وقال سبحانه وتعالى في موضع آخر: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: ٢]، وهذا أمر النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو أمر لجميع الأمة وإخلاص الدين والعبادة لله شرط لصحة العمل. ولهذا إذا دخل الشرك العبادة أفسدها وصار العمل مردودًا على صاحبه قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: ٢٣]. وإن كان فيه مراءاة للغير وطلب لمدحهم وثناءهم فإن الله يبرأ من هذا العمل ويترك العامل وعمله. * فائدة: الإنسان في هذه الحياة مجبول على العمل والتحرك بدوافع وغايات متعددة، والأعمال التي يقوم بها قولية وفعلية كفًا وفعلا وهذه الأعمال إما من أعمال القلوب، أو أعمال الجوارح أو منهما جميعًا. والأعمال باعتبار آخر إما فطرية جبلية وإما تكليفية عبادية بأمر الله تعالى وتكليف منه. وما أمر الله به وكلف عباده قد يتشابه بما يقوم به الإنسان من العادات استجابة للغريزة والفطرة والحاجة ولا يميز بين الأمرين ويفرق بين المتشابهين إلا النية، لذلك فإن من أبرز حكمة مشروعية النية: ١ - ) تمييز العبادات عن العادات: ومثاله: دفع الأحوال مردد بين أن يفعل هبة أو هدية أو وديعة وبين أن يفعل قربة إلى الله كالزكاة والصدقات والكفارات فلما تردد بين هذه الأغراض وجب تمييز النية ما يفعل لله عما يفعل لغير الله. ٢ - ) تمييز مراتب العبادات بعضها من بعض، فالنية تحدد رتب العبادات من نوافل ومفروضات فإنها كذلك تحدد رتبة العبودية ومدى قيام القلب بها. وبالنية تتفاوت درجات الإيمان والتقوى وبها يتميز المؤمن من المنافق والمخلص من المرائي ومدى ارتباط القلب بالجوارح وارتباطها به، وإن لله عبوديتين باطنية وعبودية ظاهرة فله على قلبه عبودية وعلى لسانه وجوارحه عبودية فقيامه بصورة العبودية الظاهرة مع تعريه عن حقيقة العبودية الباطنية مما لا يقربه إلى ربه، ولا يوجب له الثواب وقبول عمله، فإن المقصود امتحان القلوب وابتلاء السرائر فعمل القلب هو روح العبودية ولبها، فإذا خلا عمل الجوارح منه كان كالجسد الموات بلا روح.