قال ابن تيمية في "منهاج السنة" (٢/ ٤٣١): إذا ابتلي العبد بالذنب وقد علم أنه سيتوب منه ويتجنبه، ففي ذلك من حكمة الله ورحمته بعبده أن ذلك يزيده عبودية وتواضعا وخشوعا وذلا ورغبة في كثرة الأعمال الصالحة ونفرة قوية عن السيئات. وذلك يدفع عنه العجب والخيلاء ونحو ذلك مما يعرض للإنسان، وهو أيضًا يوجب الرحمة لخلق الله، ورجاء التوبة والرحمة لهم إذا أذنبوا وترغيبهم في التوبة. وهو أيضًا يبين من فضل الله وإحسانه وكرمه ما لا يحصل بدون ذلك كما قال: - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو لم تذنبوا .. ". وهو أيضًا يبين قوة حاجة العبد إلى الاستعانة بالله والتوكل عليه واللجء إليه في أن يستعمله في طاعته ويجنبه معصيته وأنه لا يملك ذلك إلا بفضل الله عليه وإعانته له، فإن من ذاق مرارة الابتلاء وعجزه عن دفعه إلا بفضل الله ورحمته، كان شهود قلبه وفقره إلى ربه واحتياجه إليه في أن يعينه على طاعته ويجنبه معصيته أعظم ممن لم يكن كذلك، ولهذا قال بعضهم: كان داود - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة. وقال بعضهم: لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه. ولهذا تجد التائب الصادق أثبت على الطاعة وأرغب فيها وأشد حذرا من الذنب من كثير من الذين لم يبتلوا بالذنب. وقد تكون التوبة موجبة له من الحسنات ما لا يحصل لمن يكن مثله تائبا من الذنب. فمن يجعل التائب الذي اجتباه الله وهداه منقوصا بما كان من الذنب الذي تاب منه، وقد صار بعد التوبة خيرا مما كان قبل التوبة، فهو جاهل بدين الله. وانظر: "فتح الباري" (١١/ ١٠٤ - ١٠٨).