للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحاصل عن البينة، لأنه مستفاد من طريق شرعها الله لعباده، ولم يتعبدنا بالظن الحاصل من القرينة، ولو كان الأمر كذلك لكانت الطرق المثمرة للعمل غير منحصرة، بل كلما أفاد الظن كان معمولا به، وهذا خرق لإجماع المسلمين. وقد أرشد الله عباده إلى ترك العمل بالظنون، ونهاهم عن اتباعه كما في كتابه العزيز، وما عمل به من الظنون كأخبار الآحاد، والحكم بالشهادة واليمين، فلكون دليل العمل به مخصصا لذلك العموم، لأنا نقول: قد عارضه ما هو أرجح منه، وهو استثباته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - في الحدود استثباتا زائدا على استثباته في غيرها، حتى إنه كان يعرض عن الرجل بعد أن يسمع منه الإقرار بالزنا مرة بعد مرة، ثم يقول له بعد ذلك: صنعت كذا وكذا، ويأتي بألفاظ تدل على الوقائع بدون كناية، كقوله لماعز (١): "أفنكتها؟ " قال: نعم، وكقوله: "حتى غاب ذاك منك في ذاك منها كما يغيب المرود في المكحلة، والرشا في البئر؟ " قال: نعم. وربما استثبت فسأله عن عقله، أو سأل قومه عن ذلك، كما في حديث ماعز (٢) أنه قال له: "أبك جنون؟ " وقوله للسارق (٣) "ما أخالك سرقت".


(١) أخرجه أبو داود رقم (٤٤٢٨) والنسائي في "الكبرى" (٤/ ٢٧٦ - ٢٧٧ رقم ٧١٦٤/ ١) والدارقطني (٣/ ١٩٦ رقم ٣٣٩) من حديث أبي هريرة. وهو حديث ضعيف. انظر: "الضعيفة" رقم (٢٩٥٧).
قلت: ويغني عنه الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٦٨٢٤) من حديث ابن عباس وفيه: "لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت. فقال: لا يا رسول الله. قال: أفنكتها؟ لا يكني قال: نعم، فعند ذلك أمر برجمه". وهو حديث صحيح.
(٢) أخرجه البخاري رقم (٦٨١٥ و٦٨٢٥) ومسلم رقم (١٦/ ١٦٩١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٣) أخرجه أبو داود رقم (٤٣٨٠) وأحمد (٥/ ٢٩٣) والنسائي (٨/ ٦٧ رقم ٤٨٧٧) وابن ماجه رقم (٢٥٩٧) والدارمي (٢/ ١٧٣) والبيهقي (٨/ ٢٧٦) من حديث أبي أمية المخزومي. وهو حديث ضعيف. انظر: "الإرواء" رقم (٢٤٢٦).