للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأصول (١) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - يجوز عليه الخطأ في الاجتهاد، ولكنه لا يقر عليه، ولا مانع من أن يكون هذا منه ويحمل على أن كان العمل بمجرد القرينة في الحدود، وإسقاطها عن التائب جائزا ثم نسخ بما ورد من التحري فيها، والمبالغة في الاستفصال، وعدم جواز إثباتها إلا بالإقرار أو الشهادة، وبما ورد من الزجر عن إسقاط الحدود بدون سبب يجوز الإسقاط (٢).


(١) انظر: "اللمع" (ص ٧٦)، "التبصرة" (ص٥٢٤)، "تيسير التحرير" (٤/ ١٩٠).
القول الأول: على جواز الخطأ إلا أنه لا يقر عليه واختار هذا ابن الحاجب والآمدي ونقله عن أكثر أصحاب الشافعي والحنابلة وأصحاب الحديث. انظر: "المسودة" (ص ٥٠٩) و"اللمع" (ص ٧٦).
القول الثاني: ومنع قوم جواز الخطأ عليه لعصمة منصب النبوة عن الخطأ في الاجتهاد. وهو اختيار ابن السبكي والحليمي والرازي والبيضاوي والشيعة، وانظر أدلة هذا القول ومناقشتها في "المسودة" (ص ٥١٠) "الإحكام" للآمدي (٤/ ٢١٦).
(٢) قال ابن قدامة في المغني (١٢/ ٤٨٤ - ٤٨٥): وإن تاب من عليه حد من غير المحاربين، وأصلح، ففيه روايتان:
إحداهما: يسقط عنه لقوله تعالى: (والذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) [النساء: ١٦].
وذكر حد السارق، ثم قال: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه) [المائدة: ٣٩].
وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له". أخرجه ابن ماجه رقم (٤٢٥٠) من حديث أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه وهو حديث حسن.
ومن لا ذنب له لا حد عليه، وقال في ماعز لما أخبر بهربه: "هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه" أخرجه أبو داود رقم (٤٤٢٠) من حديث جابر وهو حديث حسن. ولأنه حق خالص لله تعالى. فيسقط بالتوبة كحد المحارب.
والرواية الثانية: لا يسقط وهو قول مالك، وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي، لقول الله تعالى: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) [النور: ٢]. وهذا عام في التائب وغيره، وقال تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) [المائدة: ٣٨]. ولأن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجم ماعزا والغامدية، وقطع الذي أقر بالسرقة وقد جاءوا تائبين يطلبون التطهير بإقامة الحد، وقد سمى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعلهم توبة، فقال في حق المرأة: "لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم" تقدم تخريجه، وجاء عمرو بن سمرة إلى النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله، إني سرقت جملا لبني فلان، فطهرني.
وقد أقام رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الحد عليهم، ولأن الحد كفارة، فلم يسقط بالتوبة ككفارة اليمين والقتل، ولأنه مقدور عليه، فلم يسقط عنه الحد بالتوبة، كالمحارب بعد القدرة عليه، فإن قلنا بسقوط الحد بالتوبة فهل يسقط بمجرد التوبة، أو بها مع إصلاح العمل؟ فيه وجهان:
أحدهما: يسقط بمجردها وهو ظاهر قول أصحابنا، لأنها توبة مسقطة للحد، فأشبهت توبة المحارب قبل القدرة عليه.
والثاني: يعتبر إصلاح العمل، لقول الله تعالى: (فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما) [النساء: ١٦].
وقال سبحانه وتعالى: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه) [المائدة: ٣٩].
فعلى هذا القول، يعتبر مضي مدة يعلم بها صدق توبته وصلاح نيته، وليست مقدرة بمدة معلومة.