للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عضد الإسلام أسها ورأسها تشييد القبور والتأنق في بناء القباب عليها، والمبالغة في التهويل على زوارها بكل ما يوجب الروعة ويحصل المهابة ويؤثر التعظيم من الأمور التي قدمنا الإشارة إليها، ولا ينكر أحد من العقلاء أن هذا الأمر من أعظم محصلات الاعتقادات الفاسدة وموجبات الوقوع في البلايا المخالفة لإخلاص التوحيد، ومن شك في هذا ولم يقبله عقله وكابر الوجدان فعليه بالتتبع والاستقراء، وأقرب من هذا أن يعمد إلى بعض العامة ويسأله عن ذلك ويكشف ما عنده منه فإنه سيجد ما ذكرناه عند كل فرد من أفرادهم.

وعند تحرير هذه الأحرف ذكرت واقعه ذكرها أهل التاريخ مع بعض الخلفاء العباسيين وهي: أنه قدم على أحدهم رسول من بعض أهل الممالك النائية فاحتفل ذلك الخليفة بجمع أعيان مملكته وأكابرها وجعلهم في الأمكنة التي سيمر الرسول بها ثم أوقف خاصته وهم جمع جم بإيوان كبير قد بالغ في تحسين فرشه وستوره [٢٣] وتأنق في كل أموره وجعل نفسه في مكان يشرف على ذلك الإيوان على صفة في غاية التهويل والتعظيم فما زال ذلك الرسول يدخل من مكان إلى مكان ويمر بجماعة جماعة حتى وصل إلى ذلك الإيوان، فوجده فوق ما قد مر به فامتلأ مهابة وروعة وتعاورته أسباب التعظيم والتهويل من كل جهة وطرقته موجبات الجلالة من كل باب وأقيم بذلك الإيوان رجلان من خدمه الخاص يمسكان بعضديه فلم ينفسوا من خناقه ولا أبلعوه ريقه حتى انفتحت طاقات ذلك المنزل الذي فيه الخليفة وقد نصبت فيه الآلات البراقة من الذهب والفضة والأحجار النفيسة من الجواهر المعدنية وسطعت فيه المجامر وفاحت روائح الأطياب الملوكية وظهر وجه الخليفة وعليه من الثياب ونحوها ما هو الغاية في الحسن والنهاية في البهاء، فعند أن وقعت عين هذا الرسول المسكن على ذلك الخليفة قال للممسكين بيده، أهذا الله؟ فقالا له: بلى هذا خليفة الله.

فانظر أرشدك الله إلى أي حالة بلغ بهذا المسكين ما رآه من التهويل والتعظيم وانظر الحكمة البليغة في ما ورد عن الشارع من الزجر عن رفع القبور وتجصيصها وتسريجها