(٢) قال ابن تيمية في "مجموع فتاوى" (٢٩/ ٣١٥ - ٣٣١): "الورع من قواعد الدين، ثم ذكر الحديث: "الحلال بين .. " وحديث: "دع ما يريبك .. " وحديث: "التمرة .. ". ثم قال: وهذا يتبين بذكر أصول: أحدها: أنه ليس كل ما اعتقد فقيه معين أنه حرام كان حراما، إنما الحرام ما ثبت تحريمه بالكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو قياس مرجح لذلك وما تنازع فيه العلماء رد إلى هذه الأصول، فمن الناس من يكون نشأ على مذهب إمام معين، أو استفتى فقيها معينا، أو سمع حكاية عن بعض الشيوخ فيريد أن يحمل المسلمين كلهم على ذلك وهذا غلط. الثاني: أن المسلم إذا عامل معاملة يعتقد هو جوازها وقبض المال جاز لغيره من المسلمين أن يعامله في مثل ذلك المال وإن لم يعتقد جواز تلك المعاملة. الثالث: أن الحرام نوعان: حرام لوصفه: كالميتة والدم ولحم الخنزير، فهذا إذا اختلط بالماء والمائع وغيره من الأطعمة، وغير طعمه أو لونه أو ريحه حرمه، وإن لم يغير ففيه نزاع. حرام لكسبه: كالمأخوذ غصبا، أو بعقد فاسد، فهذا إذا اختلط بالحلال لم يحرم، فلو غصب الرجل دراهم أو دنانير، أو دقيقا، أو حنطة، أو خبزا وخلط ذلك بماله، لم يحرم الجميع، لا على هذا ولا على هذا. الرابع: المال إذا تعذر معرفة مالكه صرف في مصالح المسلمين، عند جماهير العلماء، كمالك وأحمد وغيرهما، فإذا كان بيد الإنسان غصوب أو عواري أو ودائع أو رهون قد يئس من معرفة أصحابها فإنه يتصدق بها عنهم، أو يصرفها في مصالح المسلمين، أو يسلمها إلى قاسم عادل يصرفها في مصالح المسلمين. الخامس: وهو الذي يكشف سر المسألة، وهو أن المجهول في الشريعة كالمعدوم والمعجوز عنه، فالله إذا أمرنا بأمر كان ذلك مشروطا بالقدرة عليه، والتمكن من العمل به، فما عجزنا عن معرفته، أو عن العمل به سقط عنا ... ".