للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما القائل بالتحريم فظاهر. وأما القائل بالحل فإنه لا يقول يجب على الإنسان أن يأكل لحم الخيل، أو لحم الضبع، أو شرب النبيذ، أو المثلث، أو يعامل ببيع النساء. بل غاية ما يقول به أن ذلك حلال يجوز فعله، ويجوز تركه. فالتارك عند كل من القائلين مصيب، إنما يختلف الحال عندهما أن القائل بالتحريم يقول: يثاب التارك ثواب من ترك الحرام، والقائل بالتحليل لا يقول بالإثابة في الترك، لأنه فعل أحد الجائزين.

وكما أن الوقوف المحمود للمقلد هو ما ذكرناه؛ كذلك الوقوف للعالم المجتهد عند تعارض الأدلة هو أنه يترك ما فيه البأس إلى ما لا بأس به (١). مثلا إذا تعارضت عنده أدلة تحليل لحم الخيل والضبع والتحريم، وأدلة تحليل شرب النبيذ والمثلث وبيع النسا (٢)، والتحريم، ولم يهتد إلى الترجيح، ولا إلى الجمع بين الأدلة، فالورع المحمود هو الوقف الذي أرشد إليه المصطفى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -، وهو أن لا يأكل لحم الخيل والضبع، ولا يشرب النبيذ والمثلث، ولا يعامل ببيع النساء، ولا يفتي بحل شيء من ذلك.

ولا ريب أنه إذا وفد إلى عرصات القيامة، ووقف بين يدي الرب - سبحانه - وجد صحايف سيئاته خالية عن ذكر هذه الأمور؛ لأن تركها ليس بذنب؛ فإن الله - سبحانه - لا يحاسب أحدا من عباده على ترك مثل هذه الأمور، بل ربما وجد ما وقع منه من الكف للنفس عن هذه الأمور [٨] المشتبهة في صحايف حسناته، لأنه قد وقف عندما أمر


(١) يشير إلى الحديث الذي أخرجه الترمذي رقم (٢٤٥١) وابن ماجه رقم (٤٢١٥) من حديث عطية السعدي وكان من أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس". وهو حديث ضعيف.
(٢) سيأتي برسالة كاملة. المراد بيع النسيئة. رقم (١١٤).