للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضعف بها لا توجب الحكم عليه أنه ليس من الشريعة، فإن العلة إن كانت مثلا ضعف الحفظ، أو الإرسال، أو الإعضال، أو نحو ذلك من العلل الخفية، فضعيف الحفظ لا يمتنع أن يحفظ في بعض الأحوال (١) ...................................


(١) بل قد ذكر الشوكاني في "وبل الغمام على شفاء الأوام" (١/ ٥٣ - ٥٦): وقد سوغ بعض أهل العلم العمل بالضعيف في ذلك مطلقا، وبعضهم منع من العمل بما لم تقم به الحجة مطلقا وهو الحق، لأن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام، فلا يحل أن ينسب إلى الشرع ما لم يثبت كونه شرعا، لأن ذلك من التقول على الله بما لم يقل، وما كان في فضائل الأعمال إذا جعل ذلك العمل منسوبا إليه نسبة المدلول إلى الدليل، فلا ريب أن العمل به وإن كان لم يفعل إلا الخير من صلاة أو صيام أو ذكر، لكنه مبتدع في ذلك الفعل، من حديث يجوز اعتقاد مشروعية ما ليس بشرع، وأجر ذلك العمل لا يوازي وزر الابتداع، فلم يكن فعل، ما لم تثبت له مصلحة خالصة، بل معارضة بمفسدة، هي إثم البدعة ودفع المفاسد أهم من جلب المصالح، ثم مثل هذا مما يندرج تحت عموم حديث "كل بدعة ضلالة".
وقيل: إن كان ذلك العمل الفاضل الذي دل عليه الحديث الضعيف داخلا تحت عموم صحيح يدل على فضله ساغ العمل بالحديث الضعيف في ذلك، وإلا فلا، مثلا: لو ورد حديث ضعيف يدل على فضيلة صلاة ركعتين غير وقت الكراهة، فلا بأس بصلاة تلك الركعتين لأنه قد دل الدليل العام على فضيلة الصلاة مطلقا، إلا ما خص، ويقال: إن كان العمل بذلك العام الصحيح، فلا ثمرة للاعتداد بالخاص الذي لم يثبت إلا مجرد الوقوع في البدعة، وإن كان العمل بالخاص، عاد الكلام الأول، وإن كان العمل بمنهي عنهما، كان فعل الطاعة مشوبا بفعل بدعة، من حيث إثبات عبادة شرعية دون شرع، هذا إذا قيل باستقلال كل واحد من العام والخاص في الاستدلال به على فعل الطاعة، وإن كان كل واحد منهما غير مستقل، بل الدلالة باعتبار المجموع، ولا يصلح أحدهما منفردا، فيقال: فالعام الذي زعم الزاعم أنه يدل على تلك الطاعة، لا دلالة عليها على انفراده، إنما هو جزء دليل، فلا تتم دعوى اندراج الطاعة تحت عام يدل عليها، وعجز الدليل الآخر لا يصلح للدلالة مطلقا، ففاعل الطاعة لم يفعلها بمجرد دلالة العموم عليها، بل بها، ولشيء آخر لم يثبت، فكان مبتدعا في هذا الإثبات فلا خروج عن الإثم الناشئ عن البدعة إلا مع قطع النظر عن الاستدلال بالدليل الذي لم يثبت، ونسبة الدلالة إلى العام استقلالا إن وجد وإن لم يوجد، فلا يحل العمل بما لم يبلغ الحد المعتبر، وتخيل كون مدلوله طاعة باطل. لأن الجزم بأن هذا الفعل معصية لا يثبت إلا بشرع صحيح لوجه من الوجوه ومن زعم أن وصف الفعل يكون طاعة تثبت بما لم يثبت، فليطلب من الدليل على ما زعمه". اهـ
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة النبوية" (٢/ ١٩١): "وأما نحن فقولنا، إن الحديث الضعيف خير من الرأي: ليس المراد به الضعيف المتروك، لكن المراد به الحسن، كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديث إبراهيم الهجري، وأمثالها ممن يحسن الترمذي حديثه أو يصححه وكان الحديث في اصطلاح من قبل الترمذي: إما صحيحا، وإما ضعيفا، والضعيف نوعان: ضعيف متروك، وضعيف ليس بمتروك، فتكلم أئمة الحديث بذلك الاصطلاح فجاء من لا يعرف إلا اصطلاح الترمذي فسمع قول بعض الأئمة: الحديث الضعيف أحب إلي من القياس، فظن أنه يحتج بالحديث الذي يضعفه مثل الترمذي وأخذ يرجح طريقة من يرى أنه أتبع للحديث الصحيح، وهو في ذلك من المتناقضين، الذين يرجحون الشيء على ما هو أولى بالرجحان منه إن لم يكن دونه". اهـ.