وقيل: إن كان ذلك العمل الفاضل الذي دل عليه الحديث الضعيف داخلا تحت عموم صحيح يدل على فضله ساغ العمل بالحديث الضعيف في ذلك، وإلا فلا، مثلا: لو ورد حديث ضعيف يدل على فضيلة صلاة ركعتين غير وقت الكراهة، فلا بأس بصلاة تلك الركعتين لأنه قد دل الدليل العام على فضيلة الصلاة مطلقا، إلا ما خص، ويقال: إن كان العمل بذلك العام الصحيح، فلا ثمرة للاعتداد بالخاص الذي لم يثبت إلا مجرد الوقوع في البدعة، وإن كان العمل بالخاص، عاد الكلام الأول، وإن كان العمل بمنهي عنهما، كان فعل الطاعة مشوبا بفعل بدعة، من حيث إثبات عبادة شرعية دون شرع، هذا إذا قيل باستقلال كل واحد من العام والخاص في الاستدلال به على فعل الطاعة، وإن كان كل واحد منهما غير مستقل، بل الدلالة باعتبار المجموع، ولا يصلح أحدهما منفردا، فيقال: فالعام الذي زعم الزاعم أنه يدل على تلك الطاعة، لا دلالة عليها على انفراده، إنما هو جزء دليل، فلا تتم دعوى اندراج الطاعة تحت عام يدل عليها، وعجز الدليل الآخر لا يصلح للدلالة مطلقا، ففاعل الطاعة لم يفعلها بمجرد دلالة العموم عليها، بل بها، ولشيء آخر لم يثبت، فكان مبتدعا في هذا الإثبات فلا خروج عن الإثم الناشئ عن البدعة إلا مع قطع النظر عن الاستدلال بالدليل الذي لم يثبت، ونسبة الدلالة إلى العام استقلالا إن وجد وإن لم يوجد، فلا يحل العمل بما لم يبلغ الحد المعتبر، وتخيل كون مدلوله طاعة باطل. لأن الجزم بأن هذا الفعل معصية لا يثبت إلا بشرع صحيح لوجه من الوجوه ومن زعم أن وصف الفعل يكون طاعة تثبت بما لم يثبت، فليطلب من الدليل على ما زعمه". اهـ وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة النبوية" (٢/ ١٩١): "وأما نحن فقولنا، إن الحديث الضعيف خير من الرأي: ليس المراد به الضعيف المتروك، لكن المراد به الحسن، كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديث إبراهيم الهجري، وأمثالها ممن يحسن الترمذي حديثه أو يصححه وكان الحديث في اصطلاح من قبل الترمذي: إما صحيحا، وإما ضعيفا، والضعيف نوعان: ضعيف متروك، وضعيف ليس بمتروك، فتكلم أئمة الحديث بذلك الاصطلاح فجاء من لا يعرف إلا اصطلاح الترمذي فسمع قول بعض الأئمة: الحديث الضعيف أحب إلي من القياس، فظن أنه يحتج بالحديث الذي يضعفه مثل الترمذي وأخذ يرجح طريقة من يرى أنه أتبع للحديث الصحيح، وهو في ذلك من المتناقضين، الذين يرجحون الشيء على ما هو أولى بالرجحان منه إن لم يكن دونه". اهـ.