للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعظم على الله الفرية، بلى كلف عباده أن يعتقدوا أنه {ليس كمثله شيء} (١). وأنهم {ولا يحيطون به علما} (٢)، ولقد تعجرف (٣) بعض علماء الكلام بما ينكره عليه جميع الأعلام، فأقسم بالله أن الله تعالى لا يعلم من نفسه غير ما يعلمه هذا المتعجرف (٤). فيا لله هذا الإقدام الفظيع، والتجاري الشنيع! وأنا أقسم بالله أنه قد حنث في قسمه، وباء بإثمه، وخالف قول من أقسم به في محكم كتابه {ولا يحيطون به علما} (٥)، بل أقسم بالله أن هذا المتعجرف لا يعلم حقيقة نفسه، وماهية ذاته على التحقيق، فكيف يعلم بحقيقة غيره من المخلوقين! فضلا عن حقيقة الخالق تبارك وتعالى.

وهكذا سائر المسائل الكلامية، فإنها مبنية في الغالب على دلائل عقلية هي عند التحقيق غير عقلية، ولو كانت معقولة على وجه الصحة لما كانت كل طائفة تزعم أن العقل يقضي بما دبت عليه ودرجت، واعتقدته حتى ترى هذا يعتقد كذا، وهذا يعتقد نقيضه، وكل واحد منهما يزعم أن العقل يقتضي ما يعتقده. وحاشا العقل الصحيح السالم عن تغيير ما فطره الله عليه أن يتعقل الشيء ونقيضه، فإن اجتماع النقيضين محال عند جميع العقلاء، فكيف تقتضي عقول بعض العقلاء أحد النقيضين! وعقول البعض الآخر النقيض الآخر بعد ذلك الاجتماع! وهل هذا إلا من الغلط البحت الناشئ عن العصبية ومحبة ما نشأ عليه الإنسان. ومن الافتراء البين على دليل العقل ما هو عنه بريء، وأنت إن كنت تشك في هذا فراجع كتب الكلام وانظر المسائل التي قد صارت


(١) [الشورى: ١١].
(٢) [طه: ١١٠].
(٣) انظر رسالة التحف في الإرشاد إلى مذاهب السلف رقم (٣) المتعجرف هو أبو علي الجبائي من أئمة المعتزلة.
(٤) انظر رسالة التحف في الإرشاد إلى مذاهب السلف رقم (٣) المتعجرف هو أبو علي الجبائي من أئمة المعتزلة.
(٥) [طه: ١١٠].