للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التعزب والاعتزال في آخر الزمان. وقد جمع السيد الإمام محمد بن إبراهيم الوزير في ذلك مصنفا (١) نفيسا وذكر فيه نحو خمسين دليلا، ولا بد من تقييد هذه الأولوية بالأمن من الفتنة (٢) التي هي أشد من فتنة التعزب كالوقوع في الحرام.

قال - عافاه الله تعالى -: أو يكون اتقاء الشبه عاما في الأفعال والاعتقادات والعبادات لعدم تفسير المتشابه مثلا ورده إلى المحكم خوفا من الدخول في شبه من فسر القرآن برأيه الوارد النهي عنه (٣)، والتوقف عن الخوض في الصفات ونحوها مما يتعلق بأفعال المكلفين من القدر والإرادات والحكم فيها، هل هي مخلوقة للخالق أو محدثة من المخلوق؟ وغيرها من سائر ما ذكره المتكلمون من أهل هذه المقالات؟ انتهى.

أقول: اتقاء الشبه هو عام في جميع ما ذكره، أو في الأفعال والعبادات فظاهر، وقد سبق مثاله. وأما في الاعتقادات فكذلك؛ فإن الأدلة إذا تعارضت على المجتهد في شيء من مسائل الاعتقاد ولم يترجح له أحد الطرفين، ولا أمكنه الجمع، كان الاعتقاد شبهة، والمؤمنون وقافون عند الشبهات. ومن هذا القبيل المسائل المدونة في علم الكلام المسمى بأصول الدين؛ فإن غالبها [٢١] أدلتها متعارضة، ويكفي المتقي المتحري لدينه أن يؤمن بما جاءت به الشريعة إجمالا من دون تكلف لقائل، ولا تعسف لقال وقيل، وقد كان هذا المسلك القويم هو مسلك السلف الصالح من الصحابة والتابعين، فلم يكلف الله أحدا من عباده أن يعتقد أنه - جل جلاله - متصف (٤) بغير ما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. ومن زعم أن الله - سبحانه - تعبد عباده بأن يعتقدوا أن صفاته الشريفة كائنة على الصفة التي تختارها طائفة من طوائف المتكلمين فقد


(١) بعنوان: "الأمر بالعزلة في آخر الزمان" تحقيق وتخريج محمد صبحي بن حسن حلاق.
(٢) قال تعالى: (ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين) [الذاريات: ٥٠].
(٣) تقدم تخريجه وهو حديث ضعيف.
(٤) انظر الرسالة رقم (١)، (٢) من الفتح الرباني القسم الأول منه.