للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصاعدا فلا ريب أن ذلك من المباح أو المندوب، الذي يكون ذريعة إلى الحرام، فهو مندرج تحت القسم الثالث من الأقسام الستة التي أسلفنا ذكرها. وهذا على فرض أن الواحدة تعفه وتحصن [٢٠] فرجه، فإن كان لا يعفه إلا أكثر من واحدة مع تجويزه للميل الذي قد عرفه من نفسه فعليه أن يفعل ما هو أقل مفسدة لديه في غالب ظنه باعتبار الشرع. وبعد هذا فلا أحب لمن كان لا يحتاج إلى زيادة على الواحدة أن يضم إليها أخرى، إلا إذا كان واثقا من نفسه بعدم الميل، وعدم الاشتغال عما هو أولى به من أفعال الخير، وعدم طموح نفسه إلى التكثر من الاكتساب، واستغراق الأوقات فيه، أو الاحتياج إلى الناس، فلا ريب أن اتساع دائرة الأهل والولد وكثرة العائلة من أعظم أسباب إجهاد النفس في طلب الدنيا، والاحتياج إلى ما في يد أهلها، ولا سيما في هذه الأزمنة التي هي مقدمات القيامة، بل قد ثبت في الأحاديث (١) الصحيحة ما يفيد أولوية


(١) منها ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٢٩٦٥) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي".
ومنها: ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٢٧٨٦) ومسلم (١٨٨٨) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رجل: أي الناس أفضل يا رسول الله؟ قال: "مؤمن مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله" قال: ثم من؟ قال: "ثم رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه".
ومنها: ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (١٨٨٩) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة أو خزعة، طار عليه يبتغي القتل والموت مظانه، أو رجل في غنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف، أو في بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خير".
ومنها: ما أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٧٠٨٨) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن".