للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من بين يديه ولا من خلفه، وما في السنة المطهرة، فإن وجدت فيهما ما يكون مختلفا في الظاهر فليسعك ما وسع خير القرون (١)، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وهو الإيمان بما ورد كما ورد، ورد علم المتشابه إلى علام الغيوب، ومن لم يسعه ما وسعهم فلا وسع الله عليه. ولتعلم - أرشدني الله وإياك - أني لم أقل هذا عن تقليد لبعض من أرشد إلى ترك الاشتغال بدقائق هذا الفن كما وقع لجماعة من محققي العلماء، بل قلت هذا بعد تضييع برهة من العمر في الاشتغال به، وإحفاء السؤال لمن يعرفه، والأخذ عن المشهورين به، والإكباب على مطالعة كثير من مختصراته ومطولاته، حتى قلت (٢) عند الوقوف على حقيقته من أبيات منها:

وغاية ما حصلت من مباحثي ... ومن نظري من بعد طول التدبر

هو الوقف ما بين الطريقين حيرة ... فما علم من لم يلق غير التحير

وأقل أحوال النظر في ذلك أن يكون من المشتبهات التي أمرنا بالوقوف عندها [٢٣]، ومن جملة المشتبهات النظر في المتشابه من كتاب الله - سبحانه -، وسنة رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكلف علمه، والوقوف على حقيقته، على أنه لا يبعد أن يقال: قد بين الله في كتابه وعلى لسان رسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أنه مما لا يحل الإقدام عليه، وأنه مما استأثر بعلمه. وقد كان السلف الصالح يتحرجون من ذلك، وينعون على من اشتغل به فعله، وخير الهدي هدي محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -. وللصحابة الذين هم خير القرون، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم من الكلام المشتمل على التنفير من ذلك ما لو جمع لكان مؤلفا حافلا.

قال - كثر الله فوائده - وكعدم سجود التلاوة في الصلاة حيث يقول مثلا الشافعي: سجد النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - للتلاوة في صلاة الفجر (٣)، فيقول المخالف له:


(١) تقدم تخريجه (ص ٢٥٥، ٨٤٠).
(٢) أي الشوكاني. انظر ديوانه (ص ١٨٩).
(٣) تقدم في بداية الرسالة.