للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[هذه] (١) زيادة على القطعي، وهي لا تقبل إلا بدليل قطعي كحكم النقصان من المقطوع به، فإنه لم ينقص عنه إلا بدليل قطعي كقوله تعالى: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} (٢) فهل هذا الذي يقول بعدمه ممن اتقى الشبهات أم لا؟ وهل يدخل في ذلك المقلد بتقليد إمامه أنه مثلا قد اتقى الشبهة بسنية السجود أو عدمه؟ أم هو باق في من لم يتق هذه الشبهة؟ انتهى.

أقول: قدمنا في ذكر الأقسام التي فسرنا بها المتشابه أن اختلاف أقوال أهل العلم لا يكون شبهة إلا في حق المقلد، لا في حق المجتهد. فالشبهة عنده تعارض الأدلة على وجه لا يمكنه الجمع ولا الترجيح، فهذه المسألة المذكورة إن تعارضت أدلتها على المجتهد على وجه لا يمكنه ترجيح أدلة فعل السجود، وأدلة الترك، وتعذر عليه الجمع فلا ريب أنه يقف عند ذلك، ويترك السجود، لأنه لا يكون مسنونا في حقه إلا بعد انتهاض دليله الخالص عن شوب المعارض المساوي، فلا يكون تاركا لمسنون. ولو فعل لم يأمن أن يكون مبتدعا، والمبتدع آثم. فالورع الترك. وأما إذا كان مقلدا فإن كان لاختلاف العلماء [٢٤] تأثير في اشتباه الأمر عليه كما هو شأن أهل التمييز من المقلدين فلا شك أن الورع الترك، لأن ترك سنة مجوزة أحب من ارتكاب بدعة، وإن كان هذا المقلد لا تخالجه الشكوك عند الاختلاف، بل يعتقد صحة قول إمامه، وفساد قول من يخالفه كائنا من كان، كما هو شأن من قل تمييزه من المقلدين، فهذا لا يتأثر معه الاشتباه، بل قول إمامه في معتقده بمنزلة الدليل الخالي عن المعارض في اعتقاد المقلد، فلا يكون الأمر مشتبها في حقه.

قال - عافاه الله -: وهل يجوز مثلا مع تضييق الحادثة كتركة رجل لا تكفي إلا دينه أو تكفينه فماذا يصنع مثلا من يرجح تقديم الكفن على الدين؟ كونه كالمستثنى له من


(١) زيادة يستلزمها السياق.
(٢) [النساء: ١٠١].