للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت الشريعة سهلة، فما معنى: حفت الجنة بالمكاره (١)؟ ولأي شيء مدح الله الصابرين، ووصى عباده بالصبر؟!

قلنا: لأن النفوس الخيبيثة تستعسر السهل من الخير لنفرتها عنه، وعدم رياضتها، لا لصعوبته في نفسه، ولهاذ تجد أهل الصلاح يستسهول كثيرا مما يستعسره غيرهم، فلو كان العسر في نفس الأمر المشروع لكان عسرا على كل أحد، وفي كل حال، وقد نص الله تعالى على هذا المعنى فقال في الصلاة: {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} (٢) فدل على أن العسر والحرج لا يكونان في أفعال الخير، وإنما يكونان في نفوس السوء. قال الله تعالى: {ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء} (٣) فمدار المشقة في الطاعات على الدواعي والصوارف، ولهذا نجد قاطع الصلاة يقوم نشيطا إلى أعمال كثيرة أشق من الصلاة، وقد يكون العسر الموهوم في أعمال الخير من فساد القلب وكثرة الذنوب، وعدم الرياضة، وملازمة البطالة، ألا ترى ما فلي قيام الليل وإحيائه بالعبادة من المشقة على النفوس! وهو تسهل عليها سهره في كثير من الأحوال في العرسات والأسمار والسروات في الأسفار، فإذا عرفت هذا فاعلم أن من الناس من يحصل له من شدة الرغبة في العلم، وسائر الفضائل ما يسهل عليه


(١) يشير إلى الحديث الذي أخرجه أبو داود في «السنن» رقم (٤٧٤٤) والترمذي رقم (٢٥٦٠) والنسائي (٧/ ٣ - ٤) والحاكم (١/ ٢٦ - ٢٧) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وابن حبان رقم (٧٣٩٤) من حديث أبي هريرة وهو حديث حسن.
(٢) [البقرة: ٤٥]
(٣) [الأنعام: ١٢٥].
قال ابن الويز في «العواصم» (١/ ٢٥٣): فنص الله تعالى هذا المعنى الذي ذكرت لك هو أن الشيء المعين يكون عسيرًا على هذا سهلاً على هذا، فلو كان عسيرًا في نفسه، لكان عسيرا عليهما، ولكنه يسير في نفسه، وإنما يتعسر بحرج الصدر، والكسل، وقلة الدواعي ويستهل بنقيض ذلك