للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جذيمة وقد بين وجه اجتهاده بالبقاء على الأصل، وكذلك تخطيته- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لأسامة بن زيد (١) في قتل من قال: لا إله إلا الله، وقد بين وجه اجتهاده بأنه إنما قالهاتقية، وحديث خالد وأسامة (٢) في الأمهات وغيرها، فهذه الأدلة قد دلت على مطلق الخطأ، مصحوبا بالإثابة أو الإثم أو العفو بحسب اختلاف الأفعال، وعلى الجملة أن تسمية المخطئ بالمصيب من الإصابة التي هي منافية للخطأ، لا من الصواب الذي لا ينافيه مستلزمه لإبهام الشريعة وبيانها بالاجتهادات، وهذا لعمرك الغلو الظاهر، وأي غلو أبلغ من جعل الشريعة محرمة إن حرم المجتهد محلله إن حلل موجبة، وإن أوجب مسقطه إن أسقط.

نعم وأما استدلال القائل بأن كل مجتهد مصيب بقوله تعالى: {ففهمنها سليمان وكلا ءاتينا حكما وعلما} (٣) فهي من الدلالة على التصويب بمراحل، وأي فائدة


(١) يشير إلى الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه (٤٢٦٩) ومسلم في صحيحه رقم (٩٦) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما يقول: بعثنا رسول الله إلى الحرقة، فصحبنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلا منهم، فلما غشيناه قال: لا إله الله، فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فقال: يا أسامة، أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ قلت: كان متعوذا، فما زال يكررها، حتى تمنيت أن لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم ".
(٢) تقدم تخريجهما في التعليقتين السابقتين.
(٣) [الأنبياء: ٧٩].
قال الشاطبي في الموفقات (٤/ ١٦٥٦ - ١٦٦) بعد ذكر الآية: تقرير لإصابته عليه السلام في ذلك الحكم، وإيماء إلى خلاف ذلك في داود عليه السلام، لكن لما كان المجتهد معذورا مأجورا بعد بذله الوسع، قال: {وكلا ءاتينا حكما وعلما}.
قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: (١١/ ٣٠٩): قال الحسن لولا هذه الآية لرأيت القضاة هلكوا، ولكنه تعالى أثنى على سليمان بصوابه وعذر داود اجتهاده