للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقلد عامل بالراي لا بالرواية لأنه يقبل قول الغير من دون أن يطالبه بحجة. وذلك هو في سؤاله مطالب بالحجة لا بالرأي فهو قبل رواية الغير لا رأيه وهما من هذه الحيثية متقابلان.

فانظر كم الفرق بين المنزلتين. فإن العالم الذي قلده غيره إذا كان قد أجهد نفسه في طلب الدليل ولم يجده ثم اجتهد رأيه فهو معذور. وهكذا إذا أخطأ في اجتهاده فإنه معذورٌ بل مأجورٌ للحديث المتفق عليه (١): «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر».

فإذا وقف بين يدي الله وتبين خطأه كان بيده هذه الحجة الصحيحة بخلاف المقلد له فإنه لا يجد حجدة يدلي بها عند السؤال في موقف الحساب لأنه قلد في دين الله من هو مخطي، وعدم مؤاخذه المجتهد على خطئه لا يستلزم عدم مؤاخذة من قلده في ذلك الخطأ لا عقلاً ولا شرعًا ولا عادةً، فإن استروح المقلد إلى مسألة تصويب المجتهد فالقائل بها إنما قال إن المجتهد مصيب بمعنى أنه لا يأثم بالخطأ بل يؤجر على الخطأ بعد توفية الاجتهاد حقه ولم يقل [٤٧] أنه مصيبٌ للحق الذي هو حكم الله في المسألة، فإن هذا خلاف ما نطق به رسول الله [صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ] (٢) فيه هذا الحديث حيث قال: «إن أجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجرٌ» فانظر هذه العبارة النبوية في هذا الحديث الصحيح المتفق عليه عند أهل الصحيح والمتلقي بالقبول بين جميع الفرق فإنه قال «وإن اجتهد فأخطأ .. » فقسم ما يصدر عن المجتهد في مسائل الدين إلى قسمين: أحدهما هو فيه (٣) مصيب والآخر هو فيه مخطئ فكيف يقول قائلٌ إنه مصيبٌ للحق سواءً أصاب أو أخطأ وقد سماه رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- مخطئًا فمن زعم أن مراد


(١) أخرجه البخاري رقم (٧٣٥٢) ومسلم رقم (١٧١٦) وقد تقدم.
(٢) زيادة من (ب).
(٣) تقدم توضيح ذلك