للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القائل بتصويب المجتهدين الإصابة للحق مطبقًا فقد غلط عليهم غلطًا بينًا، ونسب إليهم ما هم عنه براء. ولهذا أوضح جماعة من المحققين مراد القائلين بتصويب المجتهدين بأن مقصودهم أنهم مُصيبون من الصواب الذي لا ينافي الخطأ لا من الإصابة التي هي مقابلة للخطأ فإن تسمية المخطئ مصيبًا هي باعتبار قيام النص على أنه مأجور في (١) خطئه لا باعتبار أنه لم يخطئ فهذا لا يقول به عالم، ومن لم يفهم هذا المعنى فعليه أن يتهم نفسه ويحيل الذنب على قصوره ويقب ما أوضحه له من هو أعرف منه بفهم كلام العلماء.

وإن استروح المقلد إلى الاستدلال بقوله تعالى: {فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (٢).

فهو يقتصر على سؤال أهل العلم عن الحكم الثابت في كتاب الله وسنة رسوله حتى يبينوه له كما أخذ الله عليهم من بيان أحكامه لعباده فإن معنى هذا السؤال الذي شرعه الله هو السؤال عن الحجة الشرعية وطلبها من العالم [٤٨] فيكون روايًا وهذا السائل مسترويًا، والمقلد يقر على نفسه بأنه يقبل قول العالم ولا يطالبه بالحجة، فالآية هي دليل الأتباع لا دليل التقليد وقد أوضحنا الفرق (٣) بينهما فيما سلف هذا على فرض أن المراد


(١) تقدم ذلك في بداية الرسالة.
(٢) [الأنبياء: ٧]
(٣) الفرق بين الأتباع والتقليد:
أن الاتباع هو اتباع الدليل والعمل بالوحي، فقد سمي الله العمل بالوحي اتباعًا في مواضع كثيرة منها: قوله تعالى: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} [الأعراف:٣] وقوله تعالى: {اتبع ما أوحي إليك من ربك} [الأنعام: ١٠٦].
فحمل الاتباع إذن هو كل حكم ظهر دليله من الكتاب والسنة والإجماع، أما محل التقليد فهو محل الاجتهاد فلا اجتهاد ولا تقليد في نصوص الوحي الصحيحة الواضحة الدلالة، السالمة من المعارض.
ولا يشترط في الاتباع والعمل بالوحي سوى العلم بما يعمل، ولا يتوقف ذلك على تحصيل شروط الاجتهاد.
انظر: «إعلام الموقعين» (٢/ ١٩٠ - ٢٠١)، و «إرشاد الفحول» (ص٨٨١).