للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصحية نافعة لمن يتصدر للفتيا والقضاء من المقلّدين]

واعلم أرشدك الله أيها المقلد أنك إن أنصفت من نفسك وخليت بين عقلك وفهمك وبين ما حرَّرناه في هذا المؤلف لم يبق معك شك في أنك على خطر عظيم هذا إن كنت مقتصرًا في التقليد على ما تدعو إليه حاجتك مما يتعلّق به أمر عبادتك ومعاملتك، أما إذا كنت مع كونك في هذه الرتبة [٥٥] الساقطة مرشحًا نفسك لفتيا السائلين وللقضاء على المتخاصمين فاعلم أنك ممتحن وممتحن بك، ومبتلى ومبتلى بك، لأنك تريق الدماء بأحكامك وتنقل الأملاك والحقوق من أهلها وتحلل الحرام لهم وتحرم الحلال وتقول على الله ما لم يقل غير مستد إلى كتاب الله وسنة رسوله بل بشيء لا تدري أحق هو أم باطل باعترافك على نفسك بأنك كذلك، فماذا يكون جوابك بين يدي الله فإن الله إنما أمر حكام العباد أن يحموا بينهم بما أنز الله وأ، ت لا تعرف ما أنزل الله على الوجه الذي يراد به وأمرهم أن يحكموا بالحق وأنت لا تدري بالحق وإنما سمعت الناس يقولون شيئا فقلته وأمرهم أن يحكموا بينهم بالعدل وأ، ت لا تدري بالعدل من الجور، لأن العدل هو ما وافق ما شرعه الله والجور ما خالفه، فهذه الأوامر لم تتناول مثلك بل المأمور بها غيرك فيكف قمت بشي لم تؤمر به ولا ندبت إليه وكيف أقدمت على الدخول في الحكم بغير ما أنزل الله حتى تكون مما ممن قال فيه: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} (١)، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} (٢)، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (٣).


(١) [المائدة: ٤٥]
(٢) [المائدة: ٤٧]
(٣) [المائدة: ٤٤]