للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على ما هو الحق عندي هو صدق اللهجة والتجوز عن الكذب ولم يتفش في خير القرون الكذب، بل ولا في القرن الذي يليهم ولا في الذي يليه كما في حديث: " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يغشوا الكذب" (١)، وبالجملة فالقول بعدالة الجميع أقل ما يستحقونه من المزايا التي وردت بها الأدلة الصحيحة.

ويقال في جواب القول الثاني بأن جعلهم كغيرهم إهمال لمزاياهم وإهدار لخصائصهم وطرح لكثير من الآيات والأحاديث الصحيحة ويقال في جواب القول الثالث بأن تقييد ثبوت العدالة إلى وقت ظهور الفتن لا يتم إلا بعد تسليم أنهم دخلوا فيها- صانهم الله- جرأة لا على بصيرة ولا تأويل، وذلك مما لا ينبغي إطلاقه على آحاد المسلمين مع الاحتمال فكيف بالواحد من الصحابة بل كيف بجميعهم. ثم ليت شعري ما يقول صاحب هذا القول أعني عمرو بن عبيد في البدريين الداخلين في تلك الحروب، فإن الله قد غفر لهم ما قارفوه من الذنوب، ولعله لا يجد عن هنا جوابا، وهو مع زهده من رءوس البدع ومن المتهمين في الدين ومما يحقق تصميمه على هذه المقالة في الصحابة أنه كان يقول: لو شهد عندي علي وطلحة والزبير على باقة بقل ما قبلت شهادتهم، فانظر هذه الجرأة العظيمة من هذا المبتدع الجاهل للشرع وأهله.

ويقال لأهل القول الرابع: إن ما ذكرتم من ظهور الفسق لا نسلم وجوده على الحقيقة، وأما بحسب الأهواء والدعاوي الفارغة والقيام في مراكز المذاهب فذلك لا يضرنا ولا ينفعكم، وأيضا إن ذلك الموجب للفسق إن كان لا يعود إلى ما يتعلق بالرواية والحفظ فلا اعتداد به لما قدمنا لك من أنه الاعتبار بصدق اللهجة وحفظ المروي وعدم الدخول في بدعة من البدع [٣٧] توجب التهمة لذلك الراوي بالدعاء إلى مذهبه، وجميع الصحابة رضي الله عنهم منزهون عن جميع ذلك لا يخالف في هذا إلا من قد غلت في صدره مراجل الرفض.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٢٦٥٢) ومسلم في صحيحه رقم (٢٥٣٣) والترمذي رقم (٣٨٥٩) وقال: حديث حسن صحيح.