للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للمنكر الذي لا خلاف فيه، هل المجتهد الذي أنكرتم عليه اجتهاده مع كونه لم يخالف الأزهار، أم الفاعل المنكر هو أنتم مع كونكم مخالفين لما في الأزهار بلا شك ولا شبهة؟ ثم أخبرونا هل إنكاركم هذا هو من فعل المنكر، وانتم مرتكبون للمنكر، وأنه يجب الإنكار عليكم من كل قادر أم لا؟ إن قلتم: نعم نعم فما هو الذي حملكم على الدخول في هذا المنكر العظيم، والمحرم الوخيم؟ وإن قلتم: لا فأخبرونا بما تمسكتم؟ وما هو الذي تستندون إليه مع مخالفته لمذهبكم؟ إن قلتم: قلتم اجتهدتم في تخطئه المجتهدين فأوضحوا لنا ما هو الذي أوجب عليكم الانتقال من التقليد إلى الاجتهاد؟ فإن الأدلة قاضية بان اجتهاد المجتهد متردد بين الخطأ والصواب (١)، وله مع الإصابة أجران كما ثبت في الحديث (٢) الذي تلقته الأئمة بالقبول، ولم يختلفوا في صحته، بل له عشرة أجور (٣) كما ثبت في أحاديث تنتهض [٢ب] بمجموعها. وله مع الخطأ أجرٌ كما أفاده ذلك الحديث الصحيح.

فلو فرضنا أن المجتهد قد أخطأ في اجتهاده (٤)، وأنكم تعرفون الخطأ في الاجتهاد، فكيف


(١) تقدم التعليق عليه.
(٢) تقدم تخريجه في الرسالة السابقة.
(٣) تقدم تخريجه في ارسالة السابقة
(٤) قد بوّب ابن عبد البر لذلك فقال: «باب ذكر الدليل من أقاويل السلف على أن الاختلاف خطأ وصواب ... » وبعد أن ذكر آثارا في ذلك قال- رحمه الله-» في جامع بيان العلم وفضله» (٢/ ٩١٣): هذا كثير في كتب العلماء وكذلك اختلاف أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين ومن بعدهم من المخالفين وما ردّ فيه بعضهم على بعض لا يكاد أن يحيط به كتاب فضلًا أن يجمع في باب، وفيما ذكرنا مه دليل على ما عنه سكتنا. وفي رجوع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعضهم إلى بعض ورد بعضهم على بعض دليل واضح على أن اختلافهم عندهم خطأ وصواب ولولا ذلك كان يقول كل واحد منهم: جائز ما قلت أنت، وجائز ما قلت أنا، وكلانا نجم يهتدي به، فلا علينا شيء من اختلافنا. (قال أبو عمر): والصواب مما اختلف فيه وتدافع وجه واحد، ولو كان الصواب في وجهين متدافعين ما خطأ السلف بعضهم بعضًا في اجتهادهم وقضاياهم وفتواهم والنظر يأبى أن يكون الشيء وضده صوابًا كله.
ولقد أحسن القائل:
إثبات ضدين معًا في حالٍ ... أقبح ما يأتي من المحال
«جامع بيان العلم وفضله»