وقوله تعالى: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق} [ص: ٢٦]. ويطلق الحكم ويراد به العلم والفقه ومنه قوله تعالى: {وآتيناه الحكم صبيًا} [مريم: ١٢]. قال ابن الأثير في «النهاية» (١/ ٤١٩): «الحكم: العلم والفقه والقضاء بالعدل». وقال صاحب «المصباح المنير» (ص٥٦): الحكم: القضاء وأصله المنع يقال حككمت عليه بكذا إذا منعه من خلافه فلم يقدر على الخروج من ذلك. ومنه اشتقاق الحكمة؛ لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأراذل. ومعنى ذلك في الحكم الشرعي: أنه إذا قيل: «حكم الله في المسألة الوجوب» فإن المراد من ذلك أنه سبحانه قضى فيها بالوجوب ومنع المكلف من مخالفته. - الحكم في اصطلاح الأصوليين: الحكم الشرعي: خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء، أو التخيير أو الوضع. أنواع الحكم الشرعي: ١ - الحكم التكليفي: وهو خطاب الله تعالى المتعلق بفعل المكلف بالاقتضاء أو التخيير. - وله خمسة أقسام: واجب، ومندوب، ومباح، ومكروه، ومحظور. ٢ - الحكم الوضعي: هو خطاب الله المتعلق بجعل الشيء سببًا لشيء آخر، أوشرطًا له، أو مانعًا منه، أو كون الفعل صحيحًا، أو فاسدًا، أو رخصة، أو عزيمة، أو أداء، أو إعادة، أو قضاءً. وله أقسام عشرة: السبب، والشرط، والمانع، والصحة، والبطلان، والعزيمة، والرخصة، والاداء، والقضاء والإعادة. الفرق بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي: ١ - الحكم الوضعي الخطاب فيه هو: خطاب إخبار وإعلام جعله الشارع علامة على حكمه، وربط فيه بين أمرين بحيث يكون أحدهما سببًا للآخر أو شرطًا أو مانعًا منه. أما الحكم التكليفي فالخطاب فيه خطاب طلب الفعل، أو طلب الترك: أو التخيير بينهما، فخطاب التكليف هو طلب أداء ما تقرر بالأسباب والشرط والموانع. ٢ - الحكم التكليفي يشترط له أن يستطيع المكلف فعله أي: يقدر على فعله، أما الحكم الوضعي فلا يشترط فيه قدرة المكلف عليه: فقد يكون مقدورًا للمكلف، وقد يكون غير مقدور للمكلف. مثال: ما لا يقدر المكلف عليه: دلوك الشمس الذي هو سبب لوجوب الصلاة. مثال: ما يقدر المكلف عليه: السرقة التي هي سبب في قطع اليد. ١ - أن الحكم التكليفي لا يتعلق إلا بفعل المكلف وهو من توفرت فيه شروط المكلف وهو كونه عاقلًا يفهم الخطاب. أما الحكم الوضعي فإنه يتعلق بفعل المكلف وغير المكلف كالصبي والمجنون والنائم والناسي. ١ - أن الحكم التكليفي لا يتعلق إلا بالكسب والمباشرة للفعل من الشخص نفسه بمعنى: أن المكلف فيه إذا عمل عملًا موافقًا لأمر فإنه يؤجر عليه، وإذا عمل عملًا مخالفًا لذلك فإنه يعاقب عليه. أما الحكم الوضعي فلا ينطبق عليه ذلك فقد يعاقب أناسًا بفعل غيرهم ولهذا وجبت الدية على العاقلة. ٢ - أن الحكم التكليفي يشترط فيه: أن يكون معلومًا للمكلف، وأن يعلم أن التكليف به صادر من الله عز وجل. أما الحكم الوضعي فلا يشرط فيه علم المكلف فلذلك يرث الإنسان بدون علمه، وتحل بعقد وليها عليها. ٣ - أن خطاب التكليف هو الأصل، وخطاب الوضع على خلافه فالأصل أن يقول الشارع: «أوجبت عغليكم أو حرمت» وأما جعله الزنا والسرقة علماًا على الرجم والطقع فبخلاف الأصل ولذلك يقدم الحكم التكليفي على الحكم الوضعي عند التعارض، لأنه الأصل. ومن العلماء من يقدم الوضعي، لانه لا يتوقف على فهم وتمكن. انظر «البحر المحيط» (١/ ١٢٨ - ١٣٠)، «الكوكب المنير» (١/ ٣٣٣ - ٣٣٦).