للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بدليل علمي (١) هو ما كان حكمًا ناجزًا مستندًا إلى العلم، لا ما كان حكمًا مشروطًا، أو مستندًا إلى الظنِّ؛ فإنه يجوز نقضه بحجة أقوى منه.

فطلب بعض الحكام - أبقاهم الله - النقل عن أهل المذهب الشريف في ذلك. فأقول: قال الإمام المهدي - عليه السلام- في (البحر الزخار) (٢) ما لفظه:

«فصل: ولا ينقض حكم إلا أن يخالف قاطعًا؛ إذ لا يبطل العلم بالظن» انتهى فهذا التعليل يدل على أن الحكم مستنده أمرٌ يفيد العلم؛ إذ لا يكون الحكم معلوماً،


(١) إذا كان الحكم معتمدًا على دليل قطعي من نص أو إجماع أو قياس جلي فلا ينقض، لأن نقضه إهمال للدليل القطعي، وهو غير جائز أصلًا.
وإما إذا خالف الحكم دليلًا قطعيًا، فينقض بالاتفاق بين العلماء، سواء من قبل القاضي نفسه، أو من قاض آخر، لمخالفته الدليل.
فإن كان الحكم في غير الأمور القطعية، وإنما في مجال الاجتهادات أو الأدلة الظنية فلا ينقض. حتى لا تضطرب الأحكام الشرعية أو تنعدم الثقة بأحكام القضاء وتبقى الخصومات وتبقى الخصومات على حالها بدون فصل زمانًا طويلًا.
قال ابن قدامة في «المغنى» (١٤/ ٣٤ مسألة رقم ١٨٦٨): وجملة ذلك أن الحاكم إذا رفعت إليه قضية قد قضى بها حاكم سواه، فبان له خطؤه أن بان له خطأ نفسه، نظرت؛ فإن كان الخطأ لمخالفة نصِّ كتاب أو سنةٍ أو إجماع نقض حكمه، وبهذا قال الشافعي وزاد: إذا خالف قياسًا جليًا نقضه.
وقد كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى - كتااب القضاء المشهور - وقد بين فيه عمر آداب القضاء، وصفة الحكم وكيفية الاجتهاد واستنباط القياس:» .. ولا يمنعك قضاءً قضيت فيه اليوم فراجعت فيه عقلك وهديت فيه لرشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديمٌ ومراجعة الحقِّ خير من التمادي في الباطل .. ».
أخرجه الدار قطني في «السنن» (٤/ ٢٠٦، ٢٠٧ رقم ١٥) والبيهقي في «السنن الكبرى» (١٠/ ١١٥).
(٢) (٥/ ١٣٥ - ١٣٦)