للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومستنده مظنونًا، لأن الظنِّ لا يحصل عنه الإ الظنُّ، ولا يخفى على عارف أنه لا يستفاد من شهادة العدلين، إلا مجرد الظن، وكذلك لا يستفاد من يمين المدِّعّى عليه ونكوله إلا مجرَّد الظنِّ.

فالحكم المستند إلى هذه الأمور ليس بمعلوم، حتى يقال فيه إنه لا يبطل العلم بالظنِّ. وإذ لم يكن معلومًا، بل مظنونًا جاز نقضه [١أ] بما يفيد العلم، بل وبما يفيد ظنًّا أقوى من الظنِّ الذي استند الحكم إليه فهذا حاصل ما يستفاد من كلام (البحر).

ومن زعم أن الحكم المستند إلى الأشياء المظنونة يكون معلومًا، فقد أخطأ؛ لأن الأشياء المستفادة حكمها حكم أسبابها، ولا يمكن أن تكون المسببات معلومة، وأسبابها مظنونة (١). ومما يؤيد هذا أنه قد تقرر لأهل المذهب الشريف أنه يجوز للحاكم أن يحكم بشهادة الشهود، وإن لم يظن صدقهم، بل يكفي مجرد ألا يظن الكذب، فهذا الحاكم الذي حكم مع عدم حصول ظنِّ الصدق لا يقول عاقل أن يكون حكمه معلومًا، بل لا يقول إنه يكون حكمه مظنونًا ظنًا صحيحًا، ولكنه لما وجد المستند الشرعي وهو الشهادة جاز له الحكم مع أنه لو قال له قائل:

هل صار هذا الحكم الذي صدر عنك بمجرد شهادة لم تظن صدقها مظنونًا لديك؟ لقال: لا؛ لعدم حصول الظن بصدق السبب، فإذا قيل له: فكيف حكمت حكمًا لا تظن صحته؟ قال: وجد السبب الشرعي، وهو الشهادة، ولم يوجد المانع، وهو ظن الكذب ففعلت ما يجوز لي [١ب].

ومثل كلام (البحر الزخار) كلام (شرح الأثمار) (٢)؛ فإنه قال فيه (في شرح قول صاحب .................


(١) انظر: «المغني» (١٤/ ٣٤)، «تبصرة الحكام» (١/ ٨٢ - ٨٥).
(٢) وله شروح منها: شرح محمد بن يحيى بهران، ويحيى المقرابي.