للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسبب من الأسباب، فإذا جمع الحكم هذه القيود، فهو الحكم الذي لا يجوز نقضه وإن اختل [٣ب] شيء منها جاز نقضه، فهذا كلام أهل المذهب الشريف في كتبهم المعتبرة كما سمعت، وما لم يذكر من كتبهم فيه مثلما ذكر الحكم.

قلت: وأرجح الأقوال ما حكاه الإمام المهدي في (البحر الزخار) (١) عن الإمام الأعظم يحيى بن حمزة - سلام الله عليه- أن الحكم إذا كان عن قياس خالف نصًّا صريحًا، ولو آحاديًا جاز نقضه. ووجه ذلك أنه قد صرح أئمة الأصول من أهل البيت - سلام الله عليهم-، ومن غيرهم أن القياس مع النص الصريح فاسد الاعتبار، لا يجوز العمل به، ولا يحل التعويل عليه.

وهكذا إذا كان مستندًا لحكم دون المستند الذي يخالفه كائنًا ما كان. وقد ذكرت الأدلة على ما ذهب إليه الإمام يحيى في غير هذا الموضع، ولا يتسع المقام لبسطها، إذ المطلوب هو تبيين كلام أهل المذهب الشريف.

ومما ينبغي التنبيه له: أن نصوص المذهب قاضية بأن الحاكم الذي لا يجوز نقض حكمه هو حاكم المجمع عليه، الذي كملت له الشروط المعتبرة، وأما من كان فاقدًا لبعض تلك الشروط أو لغالبها، فأهل المذهب الشريف لا يجعلون حكمه حكمًا، ولا يمنعون من نقضه إذا خالف الحق (٢).


(١) (٥/ ١٣٥ - ١٣٦).
(٢) إذا صدر الحكم القاضي مستوفيًا شروط صحته من حيث صيغته ومن حيث سلامته مما يدعو إلى نقضه كان حكمًا لازمًا واجب التنفيذ، وإذا أعيد النظر فيه، فإن كان مستحقًا للنقص، نقص وإلا أبرم. قواعد وضوابط يسترشد بها القاضي المختص فينقض في ضوئها بعض الأحكام ويبرم البعض الآخر:
القاعدة الأولى: الاجتهاد لا ينقض بمثله، ويترتب على ذلك أمران:
أ- أن ما حكم به القاضي بناء على اجتهاده السائغ المقبول في المسائل الاجتهادية، ليس له نقضه باجتهاده الجديد في المسألة التي حكم فيها.
ب- لا يسوغ لأي قاضٍ أن ينقض باجتهاده حكمًا اجتهاديًا أصدره قاضٍ آخر ما دام هذا الحكم قد صدر عن اجتهاد سائغ مقبول، لأن الاجتهاد السابق لا ينقضه اجتهاد لاحق من قاض آخر، لأنه لا مزية لاجتهاد الثاني على اجتهاد الأول ما دام الأثنان سائغين. وإذا نقض القاضي الثاني باجتهاده حكم القاضي الأول الذي أصدره باجتهاده كان نض الثاني مستحقًا للنقض، لأن القضاء في المسائل الاجتهادية حسب اجتهاد القاضي هو قضاء نافذ بالإجماع فلا يجوز التعرض له بالنقض من قبل قاضٍ آخر يريد نقضه بحجة أنه مخالف لاجتهاده هو.
وفائدة هذه القاعدة: تؤدي إلى استقرار الأحكام ووثوق الناس بها وإنهاء الخصومات، وقطع الطريق على حكام السوء الذي قد يتذرعون بالاجتهاد لنقض أحكامهم أو لنقض أحكام غيرهم وهم في الحقيقة يريدون محاباة من يكون النقض لمصلحتهم لذلك نقل عن بعض فقهاء الزيدية في هذا المعنى: «إذا أخطأ الحاكم فحكم بخلاف اجتهاده هو مما يجوز على قول بعض المجتهدين فإنه لا ينسخه، ويحكم بالمستقبل بما يؤدي إليه اجتهاده والوجه في عدم النقض ما يؤدي إليه من التسلسل بنقض النقض من الآخرين فتفوت مصلحة نصب الحاكم من فصل الخصومات لعدم الوثوق بالحكم». -
القاعدة الثانية: السوابق القضائية لا تفيد القاضي ولا تلزمه إذا قضى القاضي في مسألة اجتهادية بحكم معين، فإنه لا يتقيد به في القضايا المماثلة للقضية الأولى، فله أن يحكم فيها بحكم جديد إذا تغير اجتهاده في هذه القضايا وبالتالي لا يجوز له أن ينقض حكمه الجديد بحجة حكمه القديم، وكذلك لا يجوز لغيره من القضاة نقض حكمه القديم بحجة اجتهاده الجديد، لأن الاجتهاد لا ينقض بمثله ثم لا يجوز لغيره من القضاء نقض حكمه القديم بحجة اجتهاده الجديد، لأن الاجتهاد لا ينقض بمثله ثم لا يجوز لغيره من القضاة نقض حكمه الجديد بحجة مخالفته لحكمه القديم لأن السوابق القضائية لا تقيد القاضي.
- القاعدة الثالثة: ينقض الحكم المخالف للنص أو الإجماع، فإذا حكم القاضي بحكم يخالف نص القرآن أو السنة الصحيحة أو الإجماع فإن هذا الحكم يستحق النقض. وقد أضاف القرافي في فروقه (٤/ ٤٠): أن من موجبات النقض مخالفة الحكم للقياس الجلي السالم عن المعارضة أو مخالفته لقاعدة من القواعد العامة الشرعية السالمة عن المعارض وبناء على ما تقدم، فإن حكم القاضي إذا رفع القاض آخر لينقضه، فإنَّه ينقضه إذا خالف ما ذكرناه، ويمضيه ويبرمه إذا لم يخالف ذلك.
- القاعدة الرابعة: تنقض أحكام قضاة الجور والسوء إذا كانت جائرة، ذهب جمهور المالكية إلى أن القاضي الجائر في أحكامه، إذا كان معروفًا في ذلك وكان غير عدل في سيرته وحاله، وسواء كان ذا علم أو ذا جهل فإن أحكامه ترد وتنقض سواء كانت في حقيقتها صوابًا أو خطأ لأنه لا يؤمن حيفه إلا ما عرفنا من أحكامه أن حكمه صواب، والبينة التي استند إليها حكمه بينة سليمة مستقيمة عادلة، فإن حكمه صواب والبينة التي استند إليها حكمه بينة سليمة مستقيمة عادلة، فإن حكمه هذا يمضي ولا يرد. وقال بعض فقهاء المالكية، في القاضي الجائر ثلاثة أقوال:
الأول: تنقض أحكامه مطلقًا وهذا قول ابن القاسم.
الثاني: حمل أقضيته على الصحة ما لم يثبت الجور.
الثالث: يمضي من أحكامه ما عدل فيه ولم تحصل فيه ريبة ويفسخ ما ثبت فيه الجور والريبة.
والأولى: أن القاضي الجائر المعروف بالجور والسوء يستحق العزل حالًا لتخليص الناس من جوره .. ».
- القاعدة الخامسة: التهمة تؤثر في حكم القاضي وتعرضه للنقض قال القرافي في «الفروق» (٤/ ٤٣): «إن التهمة تقدح في التصرفات إجماعًا مثل: حكم القاضي لنفسه. فإن هذا الحكم ينقض بلا خلاف بين الفقهاء؛ وتعليل هذا المسلك الذي نقول به أي نقض الأحكام للتهمة المعتبرة دون حاجة إلى فحصها، هو لضبط الأحكام، وفإن هذا الحكم ينقض بلا خلاف بين الفقهاء؛ وتعليل هذا المسلك الذي نقول به أي نقض الأحكام للتهمة المعتبرة دون حاجة إلى فحصها، هو لضبط الأحكام، وإبعاد الحكام عن مواطن الشكوك، وجعل الناس يثقون بحكامهم ويطمئنون بأحكامهم.
- القاعدة السادسة: تدقق أحكام قليل الفقه ومن لا يشاور فيبرم منها الصحيح وينقض منها ما كان خطأ بينًا.
- القاعدة السابعة: إذا كان الحكم المنقوض صحيحًا فإن الحكم الناقض ينقض ويبرم الحكم المنقوض. أنظر تفصيل ذلك في: «أدب القضاء» لابن أبي الدم (ص١٢٥). «تبصرة الحكام» لابن فرحون (ص٧٠ - ٧٥). «الفروق» للقرافي (٤/ ٤٠ - ٤٥). «الفتاوى الهندية»
(٣/ ٣٥٦). - الجهة التي لها حق النقض والإبرام:
١ - ينقض الحكم من أصدره - وقد تقدم.
٢ - ينقض الحكم غير من أصدره كما أن للقاضي الذي أصدر الحكم أن ينقض حكم نفسه، فإن لغيره من القضاة أن ينقضوا أحكام غيرهم، إذا رفعت إليهم هذه الأحكام، أو نظروها من تلقاء أنفسهم.
٣ - هل تنقض الأحكام وتبرم بطلب أو بدونه:
٤ - للقاضي الذي أصدر الحكم أن ينقضه بنفسه إذا ظهر له مخالفته لنص الكتاب أو السنة .. ومعنى ذلك أن هذا النقض يتم بدون طلب من أصحاب الشأن ويجوز من باب أولى أن ينقضه إذا طلب ذلك أصحاب الشأن والعلاقة بالحكم.
٥ - لا يجب على القاضي الجديد أن ينظر أحكام القاضي السابق الذي حل هو محله في وظيفته، لأن الظاهر جريان أحكام القاضي السابق على وجه الصحة والصواب إلا إذا تظلم محكوم عليه من حكم أصدره عليه القاضي السابق.
٦ - إذا لم يطلب القاضي من أحد من أصحاب الشأن النظر في أحكام من سبقه، وأراد القاضي أن يتعقب أحكام من سبقه ويتفحصها، فله ذلك فما رآه من هذه الأحكام موافقًا للشرع أمضاه وأبرمه وما كان مخالفًا للشرع على وجه لا يسوغ قبوله وكان في حق الله تعالى نقضه، لأن له النظر في حقوق الله تعالى، وإن كان الحكم في حق آدمي لم ينقضه.
- ضرورة تنظيم نقض الأحكام وإبرامها إلى جهات متعددة وإلى القاضي الذي أصدر الحكم، وعدم وجود جهة مختصة لها وحده حق نقض الأحكام وإبرامها، أن حالة كهذه تؤدي إلى شيء من المتاعب لأصحاب الحقوق كما تؤدي إلى عدم استقرار الأحكام وإلى اضطراب تنفيذها لذلك نستخلص أنه من الممكن لولي الأمر أن يعين ثلاثة أنواع من القضاة ويجعل اختصاصهم على النحو التالي:
النوع الأول: قضاة يصدرون الأحكام في الدعاوي التي ينظرونها ولا يحق لهم إعادة النظر فيها لأي سبب كان ونسميهم اصطلاحًا «قضاة الدرجة الأولى».
النوع الثاني: قضاة ينظرون في أحكام قضاة الدرجة الأولى، كلها أو بعضها ويكون من صلاحيتهم إبرام وتأييده هذه الأحكام، ونسمى هذا النوع من القضاة «قضاة الدرجة الثانية».
النوع الثالث: قضاة ينظرون في بعض أحكام قضاة الدرجة الأولى وفي جميع أو معظم أحكام قضاة الدرجة الثانية فما رأوه موافقًا للشرع أبرموه وما كان مخالفًا للشرع نقضوه، ونسميهم «قضاة الدرجة الثالثة». انظر: «الفروق» (٤/ ٤١)، «تبصرة الحكام» (١/ ٧٧).