للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يرد من كتاب الله، وسنة رسوله ما يرشد إلى إتباع العلم والعمل به، وأنه القنطرة التي لا يجوز العدول عنها إلا بدليل. فكيف خفي عليك ما اتفق عليه الناس من العمل بفحوى الخطاب (١) الذي ورد عليه قول الله سبحانه: {فلا تقل لهما أف} (٢) وغير ذلك من خطابات الكتاب والسنة، ومحاورة العرب!؟ فهب أنه لم يرد من الحكم بالعلم حرفٌ من الكتاب والسنة.

أما أرشدك عقلك وفهمك إلى أن تقول هاهنا: أنه إذا جاز الحكم بالظن جاز الحكم بالعلم بالأولى؛ لأن العلم ظن وزيادة؟

فإن قلت: إنك تقتصر على النص، وهو الحكم بتلك الأسباب دون غيرها وإن كان أولى منها.

فنقول لك: لا تخص الاقتصار على النصب بهذا المحل، بل أطرده في كل شيء حتى تخرج عن الشرع والعقل.

فقل: لم يرد في هذه الآية إلا تحريم التأفيف. فما كان أولى بذلك منه [٦ب] جائز عندك، فيجوز الشتم والضرب!، ولا جرم ثم قل في قول القائل مثلًا: إن الرجل يحمل


(١) المفهوم ينقسم إلى مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة، فمفهوم الموافقة حيث يكون المسكوت عنه موافقًا للملفوظ به: فإن كان أولى بالحكم من المنطوق به فيمسى فحوى الخطاب ومثاله: كآية تحريم التأفف على تحريم الضرب، لأنه أشد فتحريم الضرب من قوله تعالى: {فلا تقل لهما أف}، من باب التنبيه بالادنى - وهو التأفيف- على الأعلى، وهو الضرب.
انظر: «الكوكب المنير» (٣/ ٤٨٢)، «أدب القاضي» (١/ ٦١٧)، «المستصفى» (٣/ ٤١١ - ٤١٢)، «البحر المحيط» (٤/ ١٢).
(٢) [الإسراء: ٢٣].