للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشارع؟ وأوجبت على الحاكم أن يعمل بعلمه، ويترك الظن؟ فكيف لا يجوز له الحكم بعلمه مع عدم معارضة الظن مع إيجابك عليه أن يعمل بعلمه مع معارضة الظن!.

فإن قلت: إن العلم قد كشف بطلان السبب الظني الذي شرعه الشارع.

فنقول لك: وكيف كان العلم كاشفًا لبطلانه؟ هل لكونه أرجح من الظن؟ أو مساويًا له أو دونه؟

إن قلت: لكونه مساويًا له أو دونه. فالمساوي والدون لا يكون موجبًا لبطلان ما هو مثله، أو ارجح منه.

وإن قلت: لكون العلم أرجح من الظن أقررت بما هو مطلوبنا، فإن قلت أنا أعترف بأن العلم أرجح من الظن يبطله، ولكن لا أسلم أنه يجوز الحكم بمجرد العلم.

قلنا: الحاكم لما حكم بأن القاتل غير زيد مثلًا قد حكم بالنفي كما اعترفت بذلك [٧ب]. وهل يراد بحكم الحاكم - عند اهل الشريعة- إلا مجرد إثبات حكم أو نفيه؟ وأي قائل يقول: إن حكم الحاكم إنما يكون في الإثبات لا في النفي. فإنه لا يكون حكمًا.

وإذا تقرر لك أن الحكم يجب عليه العمل بعلمه (١)، وترك الحكم بالشهادة والإقرار


(١) انظر الأقوال في ذلك وأدلتها.
وليس الشوكاني بدعًا في رأيه بجواز أن يحكم القاضي بعلمه فقد كان ذلك مبدءًا مستقرًا في القضاء اليمني في ظل الدولة الزيدية التي تولى فيها الشوكاني منصب قاضي القضاة، ذلك أن المذهب الزيدي مع الرأي الذي يبيح للقاضي أن يحكم بعلمه في قضايا الأموال والحقوق والقصاص، ويمنعه فقط في الحدود، وحتى في الحدود فإنه يجيز القضاء بعلم القاضي في حد القذف، وفي سائر العقوبات التعزيزية، بل إن المؤيد والناصر وهما من كبار علماء المذهب الزيدي، من القائلين بحق القاضي في الحكم بعلمه مطلقًا، أي في الحدود وفي غيرها دون استثناء.
وفي «شرح الأزهار» (٤/ ٣٢٠): «وله - أي القاضي - القضاء بما علم إلا في حد غير القذف فلا يجوز له أن يحكم فيه بعلمه فأما في حد القذف والقصاص والأموال فيحكم فيها بعمله سواء علم بذلك قبل توليه القضاء أو بعده».
انظر: «البيان الشافي» لابن المظفر (٤/ ٢٩)، «ضوء النهار» (٤/ ٢٢١٦)، «المنار» للمقبليل (٢/ ٣٦٩).
ونجد أن محمد بن إسماعيل لا يوافقهم على ذلك ويذهب إلى المنع من القضاء بعلم القاضي، وقد ناقش الموضوع في كتابه «منحة الغفار على ضوء النهار» وهو حاشية من الأمير على كتاب «الجلال» المشهور «ضوء النهار».
«ضوء النهار» (٣/ ٢٢١٤).