وليس الشوكاني بدعًا في رأيه بجواز أن يحكم القاضي بعلمه فقد كان ذلك مبدءًا مستقرًا في القضاء اليمني في ظل الدولة الزيدية التي تولى فيها الشوكاني منصب قاضي القضاة، ذلك أن المذهب الزيدي مع الرأي الذي يبيح للقاضي أن يحكم بعلمه في قضايا الأموال والحقوق والقصاص، ويمنعه فقط في الحدود، وحتى في الحدود فإنه يجيز القضاء بعلم القاضي في حد القذف، وفي سائر العقوبات التعزيزية، بل إن المؤيد والناصر وهما من كبار علماء المذهب الزيدي، من القائلين بحق القاضي في الحكم بعلمه مطلقًا، أي في الحدود وفي غيرها دون استثناء. وفي «شرح الأزهار» (٤/ ٣٢٠): «وله - أي القاضي - القضاء بما علم إلا في حد غير القذف فلا يجوز له أن يحكم فيه بعلمه فأما في حد القذف والقصاص والأموال فيحكم فيها بعمله سواء علم بذلك قبل توليه القضاء أو بعده». انظر: «البيان الشافي» لابن المظفر (٤/ ٢٩)، «ضوء النهار» (٤/ ٢٢١٦)، «المنار» للمقبليل (٢/ ٣٦٩). ونجد أن محمد بن إسماعيل لا يوافقهم على ذلك ويذهب إلى المنع من القضاء بعلم القاضي، وقد ناقش الموضوع في كتابه «منحة الغفار على ضوء النهار» وهو حاشية من الأمير على كتاب «الجلال» المشهور «ضوء النهار». «ضوء النهار» (٣/ ٢٢١٤).