للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيقال له: هذا -والله- الحكم المخالف لما أمر الله به من الحق، والعدل، والقسطن بل الحكم الذي هو شعبة من الطاغوت.

وكيف يجوز لمسلم أن يحكم على مسلم بقتله، وسفك دمه قصاصًا، وهو يعلم أن القاتل غيره؟ وهل هذا يعد من هذه الشريعة؟

يا هذا! قد رجع رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عن أمور حكم بها باجتهاده، لما علم خلافها؛ فإنه أمر عليًا- عليه السلام - أن يذهب إلى من كان يدخل على بعض أمهات أولاده فيقتله، فلما أراد على رضي الله عنه أن يقتل ذلك الرجل رآه مجبوبًا فرفع السف عنه، وأقره رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وصوبه (١).

وكذلك رجع عن حكمه (٢) بحدِّ الرجل الذي ادعته المرأة أنه زنى بها، لما تبين له أن الفاعل غيره. وغير ذلك من القضايا الواقعة في عصر النبوة.

وإن قلت: يعمل الحاكم بعلمه في مثل تلك الصورة، ولا يعمل بالشهادة ولا الإقرار.

فنقول: ألم يكن هاهنا قد قدمت العلم على الظن المستفاد من الأسباب التي شرعها


(١) أخرجه مسلم في صحيحه رقم (٥٩/ ٢٧٧١).
والحاكم في «المستدرك» (٤/ ٣٩ - ٤٠) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
(٢) أخرجه الترمذي في «السنن» رقم (١٤٥٤) وهو حديث حسن دون قوله «ارجموه» من حديث علقمه بن وائل عن أبيه وقد تقدم.
قال ابن العربي المالكي في «العارضة» (٦/ ٢٣٧ - ٢٣٨): «إنما أمر به ليرجم قبل أن يقر بالزنى وأن يثبت عليه ليكون سببًا في إظهار النفسية حين خشى أن يرجم من لم يفعل وهذا من غريب استخراج الحقوق ولا يجوز ذلك لغير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن غيره لا يعلم من البواطن ما علم هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإعلام الظاهر الباطن له بذلك». اهـ.
وقيل «لا يخفى أنه بظاهره مشكل إذ لا يستقيم الأمر بالرجم من غير إقرار ولا بينة، وقول المرأة لا يصلح بينة بل هي التي تستحق أن تحد حد القذف، فعل المراد فلما قارب أن يأمر به ... ».
«عون المعبود» (١٢/ ٤٢ - ٤٣).