(٢) الفتوى لغة: «أفتاه في الأمر أبانه له، وأفتى الرّجل في المسألة واستفتيته فيها فأفتانيب إفتاه. يقال: أفتيت فلانًا رؤيا رآها إذا عبَّرتها له، وأفتيته في مسألة إذ أجبته عنها». يقال: أفتاه في المسألة إذا أجابه، والفتيا والفتوى والفتوى: ما أفتى به الفقيه، الفتح في الفتوى لأهل المدينة. قال ابن سيده: وإنَّما قضينا على ألف أفتى بالياء لكثرة ف ت ي وقلة ف ت و ... «لسان العرب» (١٥/ ١٤٧، ١٤٨). وفي تفسير قوله تعالى: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن} [النساء: ١٢٧]. قال ابن عطية «أي يبَّين لكم حكم ما سألتم». «المحرر الوجيز» (٤/ ٢٦٧). وقد عرف العلماء المفتي بتعاريف عدة: قال الشاطبي في «الموافقات» (٤/ ٢٤٤): المفتي هو القائم في الأمة مقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». «إعلام الموقعين» (٤/ ٢٢٤). وقيل: «هو المتمكن من معرفة أحكام الوقائع شرعًا بالديلل مع حفظه لأكثر الفقه». «صفة الفتوى» (ص٤٤). هل هناك فرق بين المجتهد والمفتي؟ تقدم تعريف المفتي. أما المجتهد: قال في «تاج العروس» (٢/ ٣٢٩، ٣٣٠): «الجهد بالفتح الطاقة والوسع، ويضم. قال ابن الأثير في «النهاية» (١/ ٣٢٠): الجهد والجهد ... بالضم الوسع والطاقة وبالفتح: المشقة وقيل المبالغة والغاية وقيل: هما لغتان في الوسع والطاقة. - فالاجتهاد هو استفراغ الوسع في النظر فيما لا يلحقه فيه لوم، مع استفراغ الوسع فيه. «المحصول» (٢/ ٣). قال الزركشي في «البحر المحيط» (٣/ ٢٨١) الاجتهاد: بذل الوسع لنيل حكم شرعي بطريق الاستنباط. قال ابن الهمام: «إن المفتي هو المجتهد وهو الفقيه». وقال الشوكاني في «إرشاد الفحول» (ص٥٤٧) إن المفتي هو المجتهد .. ومثله قول من قال: إن المفتي هو الفقيه لأن المراد به المجتهد في مصطلح الأصول .. - شروط وصفات المفتي: أن يكون مكلفًا مسلمًا، ثقة مأمونًا متنزهًا ممن أسباب الفسق ومسطقات المرؤة، لان من لم يكن كذلك فقوله غير صالح للاعتماد وإن كان من أهل الاجتهاد. ويكون فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التَّصرف والاستنباط مستيقظًا. انظر: «صفة الفتوى» (ص١٣). «أدب المفتي والمستفتي» (ص ٨٥ - ٨٦). - ثم ينقسم إلى قسمين: المفتي المستقل: وشرطه أن يكون مع ما ذكرنا قيَّما بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وما التحق بها على التفصيل. أن يكون عالمًا بما يشترط في الأدلة ووجوه دلالتها، وبكيفية اقتباس الأحكام منها، وذلك يستفاد من علم أصول الفقه، عارفًا من علم القرآن الكريم، وعلم الحديث، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلمي النحو، واللغة واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكّن به من الوفاء بشروط الأدلة والاقتباس منها ذا دربة وارتياض في استعمال ذلك، عالمًا بالفقه، ضابطًا لأمهات مسائلة وتفاريعه المفروع من تمهيدها. فمن جمع هذه الفضائل فهو المفتي المطلق المستقل لذي يتأدى به فرض الكفاية، ولن كيون إلا مجتهدًا مستقلًا. والمجتهد المستقل: هو الذي يستقل بإدراك الأحكام الشرعية من الأدلة الشرعية من غير تقليد وتمسك بمذهب واحد. أنظر: «المستصفى» (٢/ ٣١٥)، «البرهان» للجويني (٢/ ١٣٢٠، ١٣٣٢)، «إعلام الموقعين» (٤/ ٢١٢). «اللمع» (ص١٢٧). «أدب المفتي والمستفتي» (ص ٨٥ - ٩٠). المفتي الذي ليس بمستقل وله أحوال أربعة: ١ - أن لا يكون مقلدًا لإمامه، لا في المذهب، ولا في دليله لكونه قد جمع الأوصاف والعلوم المشترطة في المستقل، وإنَّما ينتسب إليه لكونه سلك طريقه في الاجتهاد ودعا إلى سبيله. ٢ - أن يكون في مذهب إمامه مجتهدًا مقيَّدًا فيستقل بتقرير مذاهبه بالدليل، غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده ومن شأنه أن يكون عالمًا بالفقه، خبيرًا بأصول الفقه عارفًا بأدلّة الأحكام تفصيلًا بمسالك الأقيسة والمعاني». يتخذ نصوص إمامه أصولًا يستنبط منها نحو ما يفعله المستقل بنصوص الشارع وربما مر به الحكم وقد ذكره إمامه بدليله، فيكتفي بذلك فيه، ولا يبحث هل لذلك الدليل من معارض؟ ولا يستوفي النظر في شروطه كما يفعله المستقل. ٣ - أن لا يبلغ رتبة أئمة المذهب أصحاب الوجوه والطرق، غير أنه فقيه النفس حافظ لمذهب إمامه عارف بأدلته قائم بتقريرها وبنصرته يصور ويحرر ويرجح ... ولكنه قصر عن درجة أولئك إما لكونه لم يبلغ في حفظ المذهب مبلغهم، وإمَّا لكونه لم يرتض في التخريج والاستنباط كارتياضهم، وإمّا لكونه غير متبحر في علوم أصول الفقه على أنه لا يخلو مثله من ضمن ما يحفظه من الفقه ويعرفه من أدائه على أطراف من قواعد أصول الفقه، وإمَّا لكونه مقصرًا في غير ذلك من العلوم التي هي أدوات الاجتهاد والحاصلف لأصحاب الوجوه والطرق. ٤ - أن يقوم بحفظ المذهب ونقله، وفهمه واضحات المسائل ومشكلاتها غير ان عنده ضعفًا في قترير أدلته وتحرير أقيسته فهذا يعتمد نقله وفتواه فيما يحكيه من مسطورات مذهبه من منصوصات إمامه وتفريعات أصحاب المجتهدين في مذهبه وتخريجاتهم. انظر تفصيلات ذلك: «الرد على من أخلد إلى الأرض» (ص٩٧)، «تبصرة الحكام» (ص٥١٦) «إعلام الموقعين» (٤/ ٢١٢ - ٢١٣)، «الكوكب المنير» (٤/ ٥٥١ - ٥٦٠).