(٢) سيأتي توضيحه. (٣) لذلك تجد دواوين السنة أفعال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مبثوثة بين أحاديثه القولية، ولم يفردها من المسندين أحد بالرواية- فيما نعلم- كما لم يفرد الأقوال أحد عن الأفعال. وأول من اعتنى بجمع الأفعال وإفرادها عن الأقوال هو- ابن العاقولي ولم يكن هذفه من تجميع الأفعال التهيئة لاستفاد الأحكام الفقهية منها، وإنما كان يريد التعريف بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولذلك أدمج أوصاف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخلقية ونسبه الشريف ونحو ذلك- كتابه «الرصف لما روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الفعل والوصف» وجاء بعد ذلك السيوطي، فأفرد الأفعال عن الأقوال، ولم يكن الذي دعاه إلى هذا أمرًا يتعلق بالاحتجاج بها، وإنما كان هدفًا صرفًا. انظر: «مقدمة السيوطي» الجامع الكبير. - ترجع أولية فصل الفعال النبوية عن الأقوال إلى القرن الرابع. والله أعلم. وقيل أن البيان بالفعل أحد أنواع البيان، فيمكن استعماله حيث أفاد المطلوب وواصح عقلًا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما كان واسطة لتبيلغ الشريعة وبيانها، فإنه يبين بالطريقة التي يختارها، فإما أن يبين المشكل بأقواله أو بأفعاله، فلما صح البيان بالأقوال لكونها دليلًا على المطلوب فكذلك يصح البيان بالأفعال حيث تدل على المطلوب. فما أفاد فيه البيان بالأقوال والأفعال، أجزأ بكل منهما ويكون ذلك واجبًا مخيرًا، أي الخصلتين فعل فقج أدى ما وجب عليه، وهذا مذهب أكثر العلماء وقد قيده عبد الجبار بأن لا يختص أحدهما في كونه مصلحة بما ليس في الآخر، وهو معنى ما تقدن من اشتراط الفائدة. انظر: «المغني» (١٧/ ٢٥٠). قال ابن تيمية في «مجموع فتاوى» (٨/ ١١ - ١٢): كل ما قاله بعد النبوة واقر عليه ولم ينسخ فهو تشريع، ثم قال: « ... والمقصود أن جميع أقواله يستفاد منها شرع» وانظر: «الواضح في أصول الفقه»: في المرتبة الثانية من أدلة الأحكام الشرعية وهي السنة: وهي ثلاث مراتب: فالأولى منها: القول، وهو منقسم إلى قسمين: مبتدأ، وخارج على سبب. فالأول: المبتدأ، وهو منقسم قسمين: ص، وظاهر، ومن جملة الظاهر: العموم. فأما النص: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «في الرقة ربع العشر»، «فيما سقت السماء العشر». وحكم ذلك: إيجاب تلقيه باعتقاد وحوبه والعمل به، ولا يترك إلا بنص يعارضه، ونسخ يرفع حكمه. والظاهر: كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأسماء في دم الحيض: «حتيه، ثم اقرصيه ثم اغسليه بالماء»، يحمل على الوجوب، ولا يصرف إلى الاستحباب إلا بدليل. والعموم: كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس في المال حق سوى الزكاة»، «ليس للمرء إلا ما طابت به نفس إمامة» فيعم سائر الحقوق إلا ما خصه الدليل من الغرامات والكفارات والديات. القسم الثاني: وهو الخارج على سبب فمنقسم إلى قسمين: مستقل دون السبب: كما روي عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لما قيل له: إنك تتوضأ من بئر بضاعة، وهي تطرح فيها المحائض ولحوم الكلاب وما ينجي الناس، قال: «الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه». فحكم هذا في استقلاله بنفسه المبتدأ، وقد سبق بيانه وانقسامه. القسم الثاني: من الخارج على السبب: ما لا يستقل دون السبب مثل ما روي عن السائل عن لطم أمته الراعية، حيث اكل الذئب شاة من غنمه، وأنه أخذه ما يأخذ الرجل على تلف ماله: وما روي أن أعرابيًا قال له: جامعت امرأتي في نهار رمضان فقال لكل واحد منها: «اعتق رقبة» فيصير قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع سؤال السائل كالقول الواحد، فتقديره: اعتق رقبة إذا لطمت أمتك، واعتق رقبة إذا جامعت في نهار رمضان زوجتك. وانظر: «الإحكام» (٢/ ٣٤٧)، «نهاية السول» (٢/ ٤٧٦ - ٤٨٠).