للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمر إليهم حكموا بالطاغوت، وإن شهادتهم وأخبارهم فهم لا يعرفون المسالك الشرعية، وكيف يعرفون أن هذا أحق بالشفعة من هذا، وهذا قد تعدى على خصمه فيما هو مشترك بينهما من دار، أو أرض. وهذا أقدم بالسقي من هذا، وهذا أمسك الماء زيادة على ما جعله رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في الزبير.

وهذا معلوم، لا ينكره أحد. ومثل هذا إذا حضر بين يدي القاضي ورثة، وقالوا ابعث بيننا من يقسم ما تركه مورثنا على الفرائض الشرعية من دور وأراض، فكيف يصنع القاضي في مثل هذا؟! هل يفوض الأمر إلى عريف من عرفاء القرية، فيكون قد قضى بينهم بالطاغوت البحت؟.

أن يقول لهم هذه أراضيكم ودوركن، احملوها إلي، وآتوني بها حتى أقسمها بينكم، فيكون قد جاء بما يخالف الشرع والعقل [٢ أ]، بل بما شعبة من الجنون؟! وهكذا لو قال للمختصين في شفعة أو شركة: احملوا هذا الذي تخاصمتم فيه إلي، فإنه قد أمرهم بما يحكمون عليه به بالجنون.

وإن قال: قد فوضت ذلك إلى العريف الفلاني من عرفاء القرية، كان قد أمرهم بالحكم بالطاغوت المحض.

فكيف يصنع هذا القاضي المسكين؟! أيطردهم من عنده؟ أم يقول لهم قد انسد في مثل حادثتكم هذه باب الشرع، ولا أجد لكم فرجًا، ولا مخرجًا في الشريعة السمحة السهلة، فاذهبوا حتى يبعث الله في قريتكم عالمًا فاضلاً يقسم بينكم، ويقضي في أموركم من شفعة وشركة، وإجارة وغير ذلك؟!!.

وكيف يسوغ مثل هذا في دين الله؟! وهل يقول به قائل من المسلمين [٢ ب]؟ فإن قال: إن البعث للأمناء لمثل هذه الأمور التي ذكرناها جائز (١)، وأنها


(١) يجوز للقاضي اتخاذ الأعوان مع الحاجة لما ثبت في البخاري رقم (٧١٥٥) من حديث أنس: «أن قيس بن سعد كان يكون بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمنزلة صاحب الشرطة للأمير». وقد يجب عليه ذلك إذا كان لا يمكنه إنفاذ الحق ودفع الباطل إلا بهم.
وعليه أن يوصي الوكلاء والأعوان على بابه بتقوى الله تعالى، والرفق بالخصوم، وقلة لطمع ويجتهد أن لا يكونوا إلا شيخًا أو كهولاً من أهل الدين والصيانة والعفة.
انظر المغني (١٤/ ٢٤) وتبصرة الحكام (١/ ٢٥).