للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخصومة (١).

منها الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه رقم (٢٢٧٠) من حديث أبي هريرة قال: «قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه خصمته، رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفي منه ولم يعطه أجره».%، والتأكيد من ذلك، والتحذير من التقصير في شأنه.

وما الفرق بين هؤلاء، وبين من يؤجر نفسه في حرث الأرض، أو في رفع الأبنية أو إصلاح الطرقات، وحفر الأنهار ونحو ذلك مما لا يحصى؟. وكيف ينكر عل هؤلاء الأمناء، ما كسبوه من أجرهم التي عرقت لأجلها جباههم، وفارقوا أوطانهم، وقطعوا المفاوز، ونزلوا في أرض الجفاء بين البدوان أهل الجفاء والغلظة، والفظاظة، واستعفوا بذلك في أمر معاشهم، وقطعوا فيه غال أوقاتهم، فكيف يحسن من متدين أن يثلب أعراضهم، ويهتك أسترهم، ويقول: إنهم كانوا فقراء فصاروا أغنياء، وهو يعلم أن من عمل كعملهم، بل بعض عملهم من المنبثين في الأسواق القاعدين في دكاكينهم، قد نال من كسبه أضعاف أضعاف ما نالوا، مع أنه لم يتعب كتعبهم، ولا أجهد نفسه كما


(١) قال الفقيه السمناني في روضة القضاة (١/ ١٣٢) ويتكلم عن بواب القاضي، ورزقه: «ويكون رزقه من بيت مال المسلمين بحسب كفايته، وذلك سائر أعوان القاضي حتى لا يأخذ مالاً يجب أخذه وهم كالقاضي في ذلك لأنهم في مصالح المسلمين، فكما لا يجوز للقاضي أن يأخذ من أحد الخصوم شيئًا فكذلك أعوانه.%.
فأقول: إذا أخذوا ما يستحقون من الأجرة، فأي مانع لهم من ذلك؟ وهل قد ضاقت الشريعة عن أجرة مثل هؤلاء؟ أم أوجب الشارع عليهم أن يقطعوا المفاوز، ويستغرقوا أيامهم، ولياليهم بدون أجرة؟ وحاشا الشريعة المطهرة، أن تقضي بهذا أو توجته على أحد من عباد الله، بل الذي في الشريعة المطهرة الأمر بإعطاء الأجير أجره