للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن كان هذا الظلم الذي شكوه إلى رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حقًّا، فكيف يطمع الآن في ناس، لا يشكون ممن ولي شيئًا من أمورهم؟. وإن كان هذا الظلم الذي شكوه باطلاً، فكيف لا يجوز صدور مثله، من مثل أهل زماننا، ونحمل المشكو منهم على السلامة، ونقول للشاكي: أنت لا تقبل على خصمك كما ورد بذلك الشرع، فكيف تقبل على من ولي الحكم بينك وبينه؟. وأقل الأحوال، أن لا نبني علي ما يقوله الخصم في الحكم عليه مشيدات القناطر، ونرتب عليه عظيمات الفواقر، بل نبحث عن الحقيقة ونتبين الأمر كما أمرنا الله- سبحانه- بذلك في كتابه العزيز (١) أخرجه أبو داود في السنن رقم (١٦٤١) والترمذي رقم (١٢١٨) والنسائي (٧/ ٢٥٩) من حديث أنس. وهو حديث صحيح.

وأخرج البخاري رقم (١٤٧٠) عن الزبير بن العوام رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي بحزمة من حطب على ظهره، فيبيعها فيكف بها وجهه، خير من أن يسأل الناس أعطوه أم منعوه».

وأخرجه البخاري رقم (١٤٧٠) ومسلم رقم (١٠٤٢) ومالك في الموطأ (٢/ ٩٩٨) والترمذي رقم (٦٨٠) والنسائي (٥/ ٩٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه، أو يمنعه».%. بل قد كان الصادق المصدوق- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-


(١) قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: ٦].%.
ثم اعلم أن الطعن على من سعى في مكسب حلال، يعفه عن الحاجة إلى الناس، ويعود عليه، وعلى من يعول بفائدة لم يقع أحد من سلف هذه الأمة ولا من خلفها، وقد كان الصحابة- رضي الله عنهم- يسعون في المكاسب على اختلاف أنواعها، ما سمع من رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، أنه أنكر على أحد منهم، بل كان يرغبهم في ذلك، حتى أمر من لا كسب له أن يأتي ببعض ملبوسه، واشترى له بذلك فأسًا، وأمره أن يذهب فيحتطب