للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الإطلاق لا يصح أن يكون إطلاقًا حقيقيًّا لما تقرر من أن الأمر هو طلب الفعل، لا طلب الكف، فلم يبق إلا أن ذلك الإطلاق مجازي، والعلاقة الضدية، وهي إحدى العلاقات المشورة المسوغة للتجوز، فما وقع في القرآن الكريم من قوله تعالى: {أمر ألا تعبدوا إلا إياه} (١) فيه التجوز بإطلاق الأمر الذي تضمنه الإخبار عن النهي المذكور لتلك العلاقة، وليس هذا هو محل النزاع بين أهل الأصول في مسألة كون الأمر بالشيء نهيًا عن ضده، أو يستلزمه، بل محل النزاع عندهم هو ما قدمناه من كون لفظ افعل الدال على الطلب هل يكون نهيًا عن فعل الضد أو مستلزمًا له كما كان طلبًا للفعل نفسه، أو ليس كذلك؟ وليس نزاعهم في صحة إطلاق لفظ الأمر على النهي مجازًا، أو في عدم الصحة، فإنهم لا يختلفون في جواز ذلك الإطلاق على طريق المجاز في كل ضدين، لوجود العلاقة المسوغة، وهي الضدية مع نصب القرينة المانعة عن إرادة المعنى الحقيقي، ومثل هذا قوله تعالى: {أصلاتك [٦] تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا} (٢) فإنه ليس فيه إلا جواز إطلاق لفظ الأمر الذي تضمنه الإخبار على الترك الذي هو مدلول النهي. فإذا تقرر هذا علم السائل- أدام الله فوائده- أنه لا دلالة في الآيتين في المسألة الأصولية التي هي محل النزاع (٣). ومن تدبر لم يخف عليه ذلك. والله أعلم [٧].


(١) [يوسف: ٤٠].
(٢) [هود: ٨٧].
(٣) على أن «كون الأمر بالشيء نهي عن ضده».