للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نقل، ولا جرم هيبة الجمهور تفعل أكثر من هذا، ومعرفة الحق بالرجال لا الرجال بالحق لا يأتي إلا بمثل هذا فاسمع ما نملي عليك من مرجحات مذهب هذا العالم المتفرد بهذه المقالة؛ لتأخذ حذرك من جعل الكثرة بمجردها من موجبات الرجحان، ودلائل الإصابة وتجعلها عبرة في أمثال هذا المقام، وليقدم تقرير مذهب الكعبي ليكون الناظر على بصيرة.

فنقول: حكى عنه ابن الحاجب في مختصر المنتهى (١) القول بأن المباح مأمور به، وتأويله للإجماع على أن المباح غير مأمور به بأنه باعتبار ذات الفعل، لا بالنظر إلى ما يستلزمه، جمعًا بين الأدلة. وصرح السبكي في جمع الجوامع (٢) أن الخلاف لفظي (٣)،


(١) (١/ ٦).
(٢) (١/ ١٧٣).
(٣) نعم الخلاف بين الجمهور والكعبي في اللفظ والعبارة فقط ولا خلاف بينهما في المعنى.
أن الكعبي نظر إلى المباح من حيث ما يعرض له من عوارض تخرجه عن كونه مباحًا وتجعله مأمورًا به، فهذا النظر هو سبب قوله في استدلاله على أن المباح يكون مأمورًا به باعتبار ما يعرض له من ترك حزم وغيره لا أنه مأمور به من حيث ذاته.
ومعلوم أن الطرفين قد اتفقا على أن المباح مأمور به لعارض يعرض له. كما ذكرنا في أقسام المباح بحسب الكلية والجزئية.
- خلاصة: أن الكعبي نظر إلى المباح من حيث ما يعرض له من عورض تخرجه عن كونه مباحًا تجعله مأمورًا به.
والأولى ما ذهب إليه الجمهور وهو أن المباح غير مأمور به، ونظرتهم لأنهم نظروا إلى ذات الفعل المباح، والكعبي إنما نظر إلى ما يستلزمه الفعل المباح.
والأصل في ضبط الحدود وبناء الأحكام إنما هو بالنظر إلى ذات الشيء، لا إلى ما يستلزمه وما يعرض له من عوارض.
وإذا ثبت أن النزاع لفظي في المسألة، لعدم ورود المذهبين على محل واحد: يتبين أن المباح من حيث ذاته لا يمكن أن يكون مأمورًا به بالاتفاق.
أما المباح من حيث ما يعرض له وما يستلزمه يمكن أن يكون مأمورًا به حسب العوارض.
انظر: «الكوكب المنير» (١/ ٤٢٥)، «نهاية السول» (١/ ٦٣)، «البحر المحيط» (١/ ٢٧٩)، «المستصفى» (١/ ٧٤)، «الإحكام» للآمدي (١/ ١٢٥).