للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

به من حيث ذاته، مأمور به من حيث ما عرض له من تحقق ترك الحرام (١). تقدمت ترجمته.%: المحكي عن الكعبي أن المباح به، لكنه دون المندوب، كما أن المندوب مأمور به، لكنه دون الواجب.

قال في شرح الغاية: وقد نقل عنه العلامة في شرحه على المختصر مثل ما نقل عنه الإمام يحيى انتهى، وهكذا نقل البرماوي عن القاضي، ثم قال: وقال إنه وإن أطلق الأمر على المباح فلا يسمى المباح واجبًا، ولا الإباحة إيجابًا (٢) (١/ ٦٦).%، وابن القشيري (٣) نقله الزركشي في «البحر المحيط» (١/ ٢٨٠): عن الأبياري.

قال ابن تيمية في «مجموع فتاوى» (١٠/ ٥٣٠ - ٥٣١): ومن هذا أنكر الكعبي «المباح» في الشريعة؛ لأن كل مباح فهو يشتغل به عن محرم، وترك المحرم واجب، ولا يمكنه تركه إلا أن يشتغل بضده، وهذا المباح ضده، والأمر بالشيء نهي عن ضده والنهي عنه أمر بضده إن لم يكن له إلا ضد واحد، وإلا فهو أمر بأحد أضداده، فأي ضد تلبس به كان واجبصا من باب الواجب المخير.

ثم قال: «وتحقيق الأمر» أن قولنا: الأمر بالشيء نهي عن ضده وأضداده والنهي عنه أمر بضده أو بأحد أضداده، من جنس قولنا: الأمر بالشيء أمر بلوازمه، وما لا يتم الواجب به إلا به، فهو واجب والنهي عن الشيء نهي عما لا يتم اجتنابه إلا به، فإن وجود المأمور يستلزم وجود لوازمه وانتفاء أضداده، بل وجود كل شيء هو كذلك يستلزم وجوده وانتفاء أضداده، وعدم النهي عنه، بل وعدم كل شيء يستلزم عدم ملزوماته، و: إذا كان لا يعدم إلا بضد يخلقه كالأكوان فلا بد عند عدمه من وجود بعض أضداده فهذا حق في نفسه لكن هذه اللوازم جاءت من ضرورة الوجود وأن لم يكن مقصوده الأمر، والفرق ثابت بين ما يؤمر به قصدًا، وما يلزمه في الوجود.

فالأول: هو الذي يذم ويعقب على تركه بخلاف.

الثاني: فإن من أمر بالحج أو الجمعة وكان مكانه بعيدًا فعليه أن يسعى من المكان البعيد، والقريب يسعى من المكان القريب، فقطع تلك المسافات من لوازم المأمور به، ومع هذا فإذا ترك هذان الجمعة والحج لم تكن عقوبة البعيد أعظم من عقوبة القريب، بل ذلك بالعكس أولى مع أن ثواب البعيد أعظم فلو كانت اللوازم مقصودة للأمر لكان يعاقب بتركها، فكأن يكون عقوبة البعيد أعظم وهذا باطل قطعًا.

وهكذا إذا فعل المأمور به فإنه لا بد من ترك أضداده، لكن ترك الأضداد هو من لوازم فعل المأمور به ليس مقصودًا للأمر، بحيث إنه إذا ترك المأمور به عوقب على تركه لا على فعل الأضداد التي اشتغل بها، وكذلك المنهي عنه مقصود الناهي عدمه، ليس مقصوده فعل شيء من أضداده، وإذا تركه متلبسًا بضد له كان ذلك من ضرورة الترك.

وعلى هذا إذا ترك حرامًا بحرام آخر فإنه يعاقب على الثاني، ولا يقال فعل واجبًا وهو ترك الأول؛ لأن المقصود عدم الأول، فالمباح الذي اشتغل به عن محرم لم يؤمر به ولا بامتثاله أمرًا مقصودًا، لكن نهى عن الحرام ومن ضرورة ترك المنهي عنه الاشتغال بضد من أضداده، فذاك يقع لازمًا لترك المنهي عنه، فليس هو الواجب المحدود بقولنا «الواجب ما يذم تاركة، ويعاقب تاركه» أو «يكون تركه سببًا للذم والعقاب».% من أنه لا مباح في الشرع، بل كل ما يفرض مباحًا فهو واجب،


(١) انظر التعليقة السابقة.%.
قال ابن أبي شريف في حاشيته أن الآمدي وغيره حكى عن الكعبي التصريح بذلك. قال الإمام يحيى بن حمزة
(٢) انظر «البحر المحيط» (١/ ٢٨). «الموافقات» للشاطبي (١/ ١٩٤ - ٢٠٠).%.
قال: وتبعه على ذلك الغزالي في المستصفى
(٣) انظر «البحر المحيط» (١/ ٨٣).% في أصوله، وفيه أن دليله الآتي مصرح بأن المباح واجب.
وأما ما روي عنه